سحب الجنسية

لا أدري إن كانت هناك دول غير دولنا هنا في المنطقة تعاقب مواطنيها بسحب الجناسي، لكن بعيدا عن وجود هكذا دول من عدمه، يبقى السؤال هو هل يجوز سحب الجنسية من حيث المبدأ؟
منذ أن توقفت الدولة عن شكلها المذهبي والديني وحلت محلها صورة الدولة القانونية والدستورية كثمرة الثورات الاوروبية، صارت الجنسية هي الورقة القانونية والعلاقة «الرسمية» التي تربط الشخص بالأرض والوطن. فالورقة التي تصدرها الدولة بمثابة اعتراف رسمي من السلطة بأن حاملها ينتمي إليها قانونا.

ولو حاولنا أن نربط المعنى القديم بالجديد والماضي بالحاضر، فانتماء الشخص من الناحية القانونية لدولة وبحمله لجنسيتها يُماثل قولنا بأن هذا الشخص يحمل تاريخ هذه البقعة التي تبسط السلطة سلطانها عليها وتحمي حدودها. فالإنسان حينما يولد ويترعرع ويتعلم ويبني صداقات ويُسجّل التاريخ سكناته وحركاته بين أفراد هذا المجتمع ومعاملاته الاجتماعية مع أقرانه وحينما تتشكل له منطقة ومساحة اجتماعية على هذه الارض، فإنه يكون بسبب هذا الحراك الانسان والوجودي قد بنى لنفسه موقعا تاريخيا يمكن أن يرمز ويحيل نفسه إليه ويمكن عند الحديث عنه أن يُشار إليه من خلال هذا التاريخ وهذه المعاملات والسلوكيات.
لهذا لا أفهم معنى سحب هذه الدول جنسية أي شخص؟! فلا معنى وبعد أن كان للانسان كل هذا التاريخ والوجود والحركة والعلاقات والولادة والأهل، مرة واحدة وبقدرة قادر وبفعل سحب الجنسية يُصبح لا تاريخ له ولا علاقات ولا انتماء ولا ولادة ولا أي شيء يمكن الحديث عنه!

فهل سحب جناسي أكثر من ثلاثين مواطنا بحرينيا سيجعلهم أناسا معدومي الهوية والتاريخ والمعرفة والخلفية والاهل والاصل!؟ هكذا وبلحظة واحدة صاروا مقطوعين وخرجوا كالفقع بلا سلسلة عائلية ولا تراتب ولا تاريخ ولا أي شيء؟ وهل سحب جنسية الاماراتيين يجعلهم لا ينتمون لها وأناساً نزلوا من السماء؟! فهل تاريخ ياسر الحبيب وسليمان بو غيث قلم رصاص مُسحت بالمحاية ولم يعد لهما ذكر أو وجود بهذه البساطة!؟ فهل كانوا مخلوقات ثم صاروا بعد السحب عدماً (خطأ أن نقول أثر بعد عين في حالتهم لأنهم أصبحوا عدماً لا أثر)؟!

لا يا سادة، سحب الجنسية هو امتهان وازدراء للأرض قبل أن تكون لحاملها! فالحقيقة أن سحب الجنسية سحب لهوية هذه الارض، فهو كمن قال بأن الارض قد مُسحت من الخريطة ولم تعد موجودة! المفترض أن كل من ينتمي للدولة وللسلطة أن يعيش بظل قوانينها مهما كانت صارمة وشديدة ويحترمها أو يعاقب من خلالها. فكما أن الانسان ينتمي بحسب الفطرة والبديهة إلى الارض، كذلك الارض تنتمي إلى الانسان الذي وُلد وعمّر وعاش فيها. أما سحب الجنسية فهو ليس بعقوبة بقدر ما هو هدر لكرامة أرض ووطن قبل أن يكون ميزة سيادية للسلطة!

السابق
الواقعية الفلسطينية تنتصر اليوم
التالي
خرق جديد العدو الاسرائيلي يستحدث مركزاً جديداً قبالة الوزاني