هل يُوقِّع ميقاتي تعديل الطائف؟

منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، والحديث لدى البعض في لبنان يعلو حيناً ويخفت احياناً مواربة وليس مجاهرة وبالواسطة في غالب الأحيان، حول ضرورة تعديل اتفاق الطائف. وقد ذهب بعض الاطراف اللبنانية حينذاك الى حدّ القول إن الطائف إغتيل او انتهى بإغتيال الحريري وباتت هناك حاجة ملحة لتعديله او تغييره.

وعلى رغم مرور السنوات السبع على الزلزال السياسي الكبير الذي ضرب لبنان نتيجة إغتيال الحريري، واستمرار العمل بالدستور الحالي المنبثق من اتفاق الطائف بقيت الألسنة نفسها تهمس في هذا الامر الى حد الوصول الى اعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احد خطبه الاخيرة عن ضرورة اعادة النظر في العقد الجماعي السياسي القائم في لبنان وضرورة تطويره، ولاقاه بعد فترة زمنية وجيزة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بالقول إن تسليم سلاح حزب الله للدولة اللبنانية ثمنه على الاقل طائف جديد!!

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الاطار هو"هل الاجواء الدولية والاقليمية التي رعت وحمت التوصل الى اتفاق الطائف قبل نحو 22 عاماَ (على رغم من عدم تطبيقه بكامله بل انتقائياً حتى الآن) راغبة في تغيير هذا الاتفاق او تعديله في هذه المرحلة! ام ان هذا الامر لم يحن اوانه بعد؟ ومن المخوّل لبنانياً توقيع هذا التعديل سياسيا؟

وللاجابة عن هذه التساؤلات لا بد من عرض النقاط الآتية:

أولا، يعلم الجميع في لبنان وخارجه ان اتفاق الطائف وُضع نتيجة توازنات اقليمية ودولية دقيقة في تلك المرحلة من عمر لبنان، والذين يطالبون بتعديله إنما يعبّرون بطريقة او أُخرى عن اختلال هذه التوازنات لمصلحتهم في المنطقة تحديداً وفي لبنان استطراداً… وعليه فإن هذه التوازنات القائمة او المقبلة تفرض تغييراً في ميزان القوى المحلي، حسب رأيهم، في وقت لم تكن الصورة واضحة على هذا النحو قبل السنوات السبع المنصرمة، علماً انه وبغض النظر عن صحة هذا الامر او عدمها كان الاقدام عليه (اذا تم التسليم جدلاً برأي قائليه) يستلزم توافقاً اقليمياً – دولياً جديداً على تعديله او تغيره لا يبدو واضحاً في الافق بعد.

ثانيا، لا بد من التذكير ان اتفاق الطائف عند وضعه سُمِي تسوية اللاراضين في لبنان والتعبير للامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين وقتذاك ومفهوم كلمة "اللاراضين" واضح وهو ان تسوية اجتمع عليها الجميع او وافقوا عليها (سواء بالاقناع او بالاكراه او تحت ضغط الحرب) من دون ان يكونوا راضين عنها بكاملها، ما يعني انه ونظرا لدقتها وفرادتها وحتميتها في تلك المرحلة لم تكن لتلبي طموحات احد من الأفرقاء اللبنانيين على إختلاف انتماءاتهم السياسية، وبالتالي اذا حصلت اي تسوية جديدة فهي حتماً لن تلبي شروط احد. فتسوية الطائف لم تكن تسوية انتقائية (A la carte) كما يقال، بل كانت شاملة وعامة وملزمة للجميع على رغم عدم تطبيقها بكاملها حتى الآن.

ثالثاً، ان الدول التي رعت اتفاق الطائف عربياً ودولياً هي الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية وسوريا ضمناً، والذين يطالبون باعادة النظر في العقد الجماعي السياسي القائم (اي قوى 8 آذار وعلى رأسهم حزب الله) يعلمون ان واشنطن لا تزال كما هي، وان من الممكن لايران الداعمة لهم سياسياً وعسكرياً ان تحل مكان السعودية عند التوصل الى الصفقة المنتظرة بينها وبين البيت الابيض، والمتوقعة وفقاً لتقديرات بعضهم، في آذار المقبل على ابعد تقدير، من دون ان يأتوا على ذكر ايّ تقديرات تتعلق بالوضع السوري القائم وتطوراته، ما يعني ان حساباتهم تكون غير دقيقة او غير مكتملة، خصوصاً أن الغاء دور السعودية في حساباتهم واحلال الدور الايراني مكانه امر غير منطقي على الاطلاق، والامر نفسه ينسحب على حساباتهم في شأن مستقبل النظام السوري، ما يجعل مسألة الرهان على تعديل الطائف بالنسبة اليهم مسألة وقت، على رغم إدراكهم انها تتعدى ذلك وأنها في ظل الوقع السياسي الاقليمي هي ايضا غير ذلك.

رابعا، في مسألة التوقيع السياسي المفترض لتعديل الطائف يبرز دور زعيم الاكثرية النيابية و"الشعبية السنية" في لبنان الرئيس سعد الدين رفيق الحريري الغائب قسراً لا طوعاً عن البلاد لاسباب معروفة وليست مجهولة من احد على الاطلاق، وهي الاسباب الامنية والتهديدات التي تلقاها ولا يزال من جهات معروفة، وهذا الدور او هذا التوقيع لا يبدو ان الحريري راغب في تجييره او اعطائه لاحد، لا هو ولا جمهوره، وقد عبّر اكثر من نائب في كتلة "المستقبل" عن هذا الامر أخيراً وفي اكثر من مناسبة بالقول "إنهم مهما فعلوا (والمقصود قوى 8 آذار) لن نعطيهم توقيعنا على اي وثيقة تنازل سياسية (اي تعديل الطائف)! اذاً من يوقّع… اذاً لم يكن محصناً في بيئته للتوقيع..!!؟

قبل الاجابة عن هذا السؤال الاساسي والصعب في آن لا بد من الاشارة الى ملاحظة اساسية وهي وفقاً لمعلومات مؤكدة ولكن غير معلنة ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جاء في الاساس على رأس هذه الحكومة في اطار تقاطع مصالح، إن لم نقل تواطؤاً اقليمياً – دولياً لمصلحة 8 آذار (بقيت السعودية خارجه) افضى الى اخراج الحريري من الحكم بالطريقة التي أُخرج بها حينذاك (اثناء لقاءه الرئيس الاميركي اوباما في البيت الابيض في اللحظة التي استقال فيها وزراء 8 آذار الـ 11)، فما الذي يمنع من اعادة التواطؤ نفسه مرة جديدة بعد حصول الصفقة المتحدث عنها، اي الصفقة الايرانية – الاميركية والطلب من ميقاتي ضمناً توقيع تعديل اتفاق الطائف، خصوصاً ان اختياره في الاساس لم يكن عندما بُتّ به!! فهل يفعل.

السابق
تقويمات اسرائيلية: الحرب على غزة
التالي
روسيا تدعم حليفها..وتمنع التقسيم وانهيار الاسد