محنة الحسين

عندما يختتم الشيعة الاماميون الاثني عشرية اليوم مراسم عاشوراء تكون هذه السنة في التاريخ مرحلة فاصلة لهم في مناطق أكثرياتهم في المنطقة ابتداء من ايران مروراً بالعراق وصولاً الى لبنان. أما لماذا هي فاصلة فلأن الحكم في البلدان الثلاثة هو باسم الشيعة مباشرة، كما هي الحال في ايران والعراق، أو غير مباشرة، مثلما هو الامر في لبنان، حيث يمسك "حزب الله" بزمام السلطة فعلياً. فهل ستحل عاشوراء السنة المقبلة واحوال السلطة في هذه البلدان على ما هي عليه اليوم؟
قبل الاجابة التي لن تكون من نوع "لا" أو "نعم" لا بد من توضيح أمر هو في غاية البساطة ألا وهو ان صاحب الذكرى الامام الحسين لم يتسلم السلطة أبداً في حياته. وطوال اكثر من 13 قرناً انقضت على استشهاده في موقعة كربلاء، كان جوهر الذكرى يقوم على ان حفيد رسول الاسلام قاتل سلطة أخرى رفضاً لها، وآثر الاستشهاد على ان يخضع لها. أما الذين يمسكون بالزمام في ايران والعراق ولبنان فهم في موقع السلطة واحوالهم لا تدعو الى ذرف الدموع، بل على العكس، فإن محكوميهم هم من يبكون دماً ولنا في لبنان أكثر من شاهد. في زمن الربيع العربي الذي يصطبغ بدماء الاحرار وليس بألوان الازهار يحاول العرب أن يتلمّسوا طريق الحرية بعد أن يفسحوا في المجال أمام الفكر الديني أن يجرب حظه في السلطة عبر صناديق الاقتراع. أما في ايران والعراق ولبنان حيث السلطة لفكر ديني اسلامي من مذهب معيّن فلم تكن الطريق مفروشة بصناديق الاقتراع، بل بالنعوش. والحديث عن تجربة الثورة الايرانية منذ عام 1979 يطول ومثله عن الغزو الاميركي للعراق عام 2003 الذي اطاح حكم صدام حسين وصولاً الى لبنان الذي يفرض فيه "حزب الله" سطوته بالسلاح لا بنتائج الانتخابات.
كاتب هذه السطور أثار حفيظة سامعيه من أهله الذين يعتنقون المذهب الشيعي الاثني عشرية عندما قال امامهم بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 ان الحريري هو في الموقع نفسه الذي اتخذه الامام الحسين. فكلاهما ناهض سلطة مارست طغيانها. أما قاتل الحريري مثلما هو قاتل الحسين فهو صاحب السلطة. وها نحن اليوم، وبعدما حسم التاريخ أمر من قتل الحسين، نقترب من توثيق ملف قاتل الحريري. فقد طالعتنا المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قبل أيام بالمذكرة التمهيدية للادعاء في المحكمة وهي تتضمن 13170 دليلاً على ضلوع أربعة من عناصر "حزب الله" في جريمة اغتيال الحريري. وكان لافتاً في المذكرة اشارتها الى متهم خامس برمز S15. فهل هذا التمويه ينضوي على ان صاحب الرمز هو شخص مهم في الحزب؟ على غرار ما قاله المتنبي "عيد بأي حال عدت يا عيد"، يمكننا القول "ذكرى عاشوراء بأي حال عدت يا ذكرى". ليس في مصلحة صاحب الذكرى أبداً أن يكون المتسيّدون في ايران والعراق ولبنان يمارسون الظلم أو ينصرون الظالم الذي يجسده اليوم بأبشع صوره الديكتاتور السوري بشار الاسد. انها محنة للامام الحسين لم يتخيل يوماً انها ستكون على هذا النحو.

السابق
الأهم أنّ خيار المقاومة ينتصر
التالي
جنبلاط: للإستفادة من سلاح المقاومة وازمة الكهرباء ورثتها االحكومة