حملات تشجير مجانية في الجنوب وأصحاب النصوب يتساءلون

تضم منطقة النبطية ما يقارب المئة وخمسين مشتلا لزراعة نصوب الزيتون و أشجار الزينة. تعتمد العديد من الأسر الجنوبية هذه الزراعة، حيث تؤمن لهذه الأُسر دخلاً رئيسياً، وتتمركز هذه المشاتل في بلدات جبشيت، عبا، قعقعية الجسر، كفرمان وعربصاليم. يرتفع أصوات اصحاب مشاتل النصوب منذ فترة طويلة، للمطالبة بحقهم في حماية إنتاجهم، بعد كثرة حملات التشجير المجانية في المنطقة، التي تدعمها وزارة الزراعة وبعض الجمعيات الأخرى.

تراجع زراعي
عشرة آلاف شتلة زيتون لا زالت في المشتل هذا العام، لم يستطع أبو محمد فرحات بيعها، سيتكبد مشقة تربيتها عاما آخر، سيضيف إلى فاتورته مصاريف إضافية، ويبيعها العام المقبل بنفس السعر، " اليوم تراجع سوق الزيتون، الشتول توزعها البلديات مجانا، والمدارس والفرق الكشفية، والجمعيات التعاونية الزراعية و الجمعيات البيئية، قليل من يلجأ للمشتل في هذه الأيام لشراء شتلة يزرعها"، هكذا يوجز أبو محمد فرحات من عربصاليم، تراجع هذا القطاع في الجنوب.
إشتدت وطأة المطالبة هذا العام بشكل بارز، في السنوات الماضية كانت وزارة الزراعة تتعاون مع أصحاب المشاتل، وتقوم بشراء كميات كبيرة من الشتول، لتقوم بتوزيعها على المناطق بشكل مجاني، رئيس الجمعية التعاونية للنصوب في بلدة جبشيت عبد الكريم شبيب، يؤكد أن حاجة اصحاب المشاتل لحماية إنتاجهم تزداد يوما بعد يوم، في وقت تغيب الثقافة الزراعية عن ذهنية المواطن، الذي ينتظر في معظم الأحيان عاما كاملا، للحصول على بعض الغرسات الصغيرة المجانية، ليزرعها، ويكتشف بعد مرور خمس سنوات أو أكثر من التربية، أنها لم تكن الصنف الذي يريد، فيما يقدّم المشتل الزراعي اليوم كفالة للمزارع، برؤية الثمار قبل زراعة الشجرة، مؤكدا أن الحملات التي تقوم بها وزارة الزراعة باتت تشكل تحديا لهم، وتحديدا مع شتلة الزيتون، التي لا يكترث المزارع عند زراعتها لنوعيتها وأصلها وإنتاجها، باعتباره أنها شجرة بعلية لا تحتاج للكثير من العناية.

قطاع مُهْمَل
يقارب عدد المشاتل الزراعية المختصة بالزيتون والنباتات الحرجية والزينة، في منطقة النبطية، ما يقارب المئتين، ما يسبب تضرر ما يقارب مئتين عائلة جنوبية من هذه الحملات. وفيما تختلف تقديرات الإنتاج السنوي لهذه المشاتل، إلا أنه لا يخفى على زائر بلدة جبشيت فقط ما تنتجه سنويا، من كثرة وملاصقة المشاتل الزراعية فيها، جنبا لجنب، مع انها مقصد الكثيرين من أبناء الشمال ومنطقة صور لشراء النصوب. يعبر العديد من أصحاب المشاتل فيها استياءهم من الوضع، بحيث يقصدهم "الغريب" وابن المنطقة ينتظر عطف وزارة الزراعة، كما يعلق أحمد الجرمقي، هذا ويقدر حسن فرحات من عربصاليم، تراجع إنتاج الغراس في البلدة، من ثلاث مئة ألف غرسة في السنوات السابقة لخمس وسبعين ألف غرسة في هذه الأيام، بسبب ما يعانيه هذا القطاع من إهمال، ويؤكد فرحات أن غراس الزيتون الموجودة في مشاتل عربصاليم هي بلدية، من نوع زيتون " البتليك" أو ما يعرف "بالمعنقي"، والصنف الآخر هو الزيتون الصوري، "أما ما يوزع مجانا، فهو زيتون عقل، ولا يخضع لما نقوم به، من عمليات تطعيم لمكافحة الأمراض"، ولا يوازي جودة الزيتون البلدي.
أبدت وزارة الزراعة السابقة تعاونا كبيرا مع أصحاب المشاتل، من خلال شراء كميات كبيرة من الغراس من هذه المشاتل، ما كان يخفف وطأة كبيرة في تصريف أنتاجهم السنوي، هذا التعاون توقف في الفترة الأخيرة، مع أن مطالب أصحاب المشاتل مع الوزارة الحالية كانت متواصلة، والإجابة على مطالبهم كانت بخطة لتنظيم هذا القطاع، رئيس مصلحة الزراعة في النبطية المهندس هادي مكي، يقول أن لبنان ككل لا ينتج سنويا مئة ألف غرسة، والأرقام التي تستوردها الوزارة لا تشكل تحديا لأصحاب المشاتل، وخصوصا في الجنوب، حيث لا تزيد الغراس الموزعة على العشرين ألف، في لبنان، إضافة إلى العديد من المشاكل والتحديات التي تواجه الوزراة، في حال قررت شراء الغراس من أصحاب المشاتل، بحيث لا يوجد مشاتل منظمة تضمن نوعية وجودة الغراس إلا القليل منها، وهذا ما ستعمل عليه الوزارة مستقبلا، في محاولة لتنظيم هذا القطاع كما قطاع الصيدليات الزراعية، بحيث يخضع المشتل الزراعي للعديد من الشروط والمواصفات المحددة، ويسجل في الوزارة، وبالتالي يمكن في هذه الحال التعاون مع المشاتل المرخص لها.

أزمة مفتعلة
هذه المشكلة التي تتأرجح بين وزارة الزراعة وأصحاب المشاتل، تبرز واقعا صعبا للعديد من الأسر، التي تعتمدها عملا رئيسيا لها، أبو محمد قانصو، لم يعد يعتمد على زيارة الزبون للمشتل، بل إشترى سيارة يجول فيه في القرى المجاورة، ويبيع إنتاجه بأسعار مغرية، مطالبا الوزارة "بدراسة للسوق المحلي وإنتاجه السنوي، ونوعيته وجودته، وعلى هذا الأساس يتم التعاون معنا" . فيما يؤكد المهندس هادي مكي، أن رقم الأغراس الموزع في الجنوب لا يتجاوز العشر ألالاف غرسة، يقول قانصو، بأن هذا الرقم وصل هذا العام إلى مئة الف غرسة زيتون فقط.
تتعدى المشكلة غراس الزيتون لتصل لنباتات الزينة، الدكتور شادي مهنا رئيس مصلحة الأحراج في وزارة الزراعة، ينظر بعين المطالب المحقة لهؤلاء، معتبرا أن كل ما يوزع بشكل مجاني يشكل تحديا للمنتج الموجود، معربا عن نية الوزارة في التعاون مع هذه المشاتل، بعد تنظيمها، معتبرا أن الأزمة مفتعلة وليست بهذا الحجم لأن نوعية نصوب الزينة التي تقدمها الوزارة مختلفة عن الموجودة في المشاتل الخاصة، والزبون هو من يحدد ما يريد لحديقته، هذا ما يوافق عليه صاحب مشتل زراعي في قعقعية الجسر، أبو محمد سبيتي، الذي لا يعتمد على بيع الغراس بقدر إعتماده على تنسيق الحدائق الكبيرة، مؤكدا أن الزبون يعرف ماذا يريد وماذا يختار، "ومن يلجأ لإنتظار مساعدات الوزارة، لا يملك القدرة المادية للجوء لمشتل خاص لتنسيق حديقته".
  

السابق
سييرا: تكثيف الدوريات لإبقاء الوضع تحت السيطــرة
التالي
سلال القصب حرفة في طريق الإنقراض