احمد قبلان: للملمة صفوفنا والجلوس إلى طاولة الحوار

ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، توجه فيها إلى الفلسطينيين بالقول: "بداية أتوجه إلى أهلنا وإخواننا الفلسطينيين لأقدم لهم العزاء بالشهداء الذين سقطوا ذودا عن قضية فلسطين، ودفاعا عن كرامة الأمة وعزتها، متمنيا للجرحى والمصابين الشفاء العاجل، وسائلا الله أن يكون ما حدث في غزة من إجرام وعدوان صهيوني غاشم وسافر، حافزا لكل القيادات والفصائل الفلسطينية للتلاقي والتوحد وطي الخلافات والانقسامات والوقوف معا في وجه التحديات والمخططات الكبرى التي تستهدف الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في استرجاع أرضه وإقامة دولته".

واكد ان "ما جرى على أرض غزة، وما شهدناه من ثبات ومقاومة وصبر ومجاهدة من قبل أبناء غزة، على الرغم من كل الآلام التي أصابتهم، والدمار الذي لحق بهم، يدفعنا لأن نحيي أبناء غزة ومقاوميها الأبطال، ويجعلنا نرفع الرأس بهؤلاء، تماما كما رفعنا رؤوسنا إبان حرب تموز حينما وقفنا باعتزاز كبير، وفخر لا يوصف، بانجازات المقاومة في لبنان وبما حققته من انتصار على الكيان الصهيوني كتبه التاريخ بأحرف من ذهب، وأرسى معادلة لا تحتمل الجدل والنقاش تقول: "المقاومة ثم المقاومة، ولا حياة لأمة لا تقاوم، ولا حق محفوظ من دون مقاومة".

وتابع: "من هنا، وبعد هذا المشهد الرائع من البطولات على أرض غزة، ومن قبله على أرض الجنوب، نتوجه إلى كل الذين أزعجتهم المقاومة ولا يقبلون بشرعيتها ويشككون بكل شيء له علاقة بنهجها وبأهدافها لنقول لهم: تبصروا وتعقلوا وكونوا دائما إلى جانب الحق، ولا تجادلوا في أمر خلا من كل حجة وبرهان. لقد تبين الرشد من الغي، وتكشفت كل الخفايا، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. فإسرائيل كيان غاصب ومنتهك للحقوق وللحرمات والمقدسات، وعدو الحق والإنسانية والأمة، هذا العدو لا يؤمن له ولا يريد السلام ولا السلم، لقد تعود على إراقة الدماء، تربى على الدمار، وقام على الإرهاب، ولا لغة تصلح معه إلا لغة السلاح. فلنتعظ من العبر وليكن لنا من كل المحطات مع هذا العدو الغاشم والمتغطرس ما يجعلنا ندرك حقيقة ثابتة تقول: لا سلام في المنطقة إلا بزوال هذا الكيان، فلنختصر الطريق، ولنسقط كل مبادرات السلام، ولنطو كل صفحات التفاوض معه، فلنتحضر ونعد العدة التي تمكننا من استرجاع كامل حقوقنا ووضع الحد لهذه الغدة السرطانية التي ينبغي استئصالها".

وأكد أن "ما أنجزته المقاومة في غزة وما حققته المقاومة في لبنان يؤكدان على صوابية وجدوى معادلة الشعب والجيش والمقاومة، وعلى الأبواق المناهضة أن تسكت لنبدأ معا في لملمة صفوفنا، وتوحيد كلمتنا، ونجلس إلى طاولة الحوار نبحث في ما يحفظ مقاومتنا ويعزز قدرات جيشنا ويبني مؤسساتنا، وفي كل ما يضع حدا لهذا الانقسام السياسي الذي استنزف مقدرات ومقومات هذا الوطن، ويكاد يوصلنا إلى انزلاقات خطيرة من الفرز والفتن الطائفية والمذهبية".

وختم بالقول: "آن الأوان كي تجلسوا وتتحاوروا، آن الأوان كي تتفاهموا وتتوافقوا، آن الأوان كي توقفوا هذه المقاطعة للحكومة وللمجلس النيابي التي لا مبرر لها، آن الأوان كي تتشاركوا وتتعاونوا من أجل إنقاذ هذا البلد وتخليص أبنائه من واقع لم يعد محمولا، وأوضاع اقتصادية ومعيشية بلغت في وطأتها حدا لا يطاق".

مجلس عاشورائي

وبرعاية نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، تم إحياء الليلة الثامنة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس، في حضور حشد كبير من علماء الدين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين. وعرف بالمناسبة الشيخ علي فقيه، وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم.

وألقى المفتي الجعفري كلمة جاء فيها: "قال الله تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) ليؤرخ بذلك أن ما بين الأصل والفرع ماء، تدلت به يد الأزل، فأحيت. وتلك أول قلادة غرستها السموات على محيا الحسين، والذي لا شك فيه أن الإمام الحسين قتيل استثنائي جدا، عبر الموت، فتخلد، وسخى بأغلى الثقلين فتحول كلمة باقية ما دامت السموات والأرض، ورغم أنه خرج على دولة كانت تشكل مركز القدرة الدولية، والمحرك العالمي، وتملك سلطة الدعاية، والمال والحديد، وتؤثر إلى حد الذهول بالميول الفكرية، بل رغم أنه قتل وسط صحراء، لا تقوى عليها الرياح، فقد تحول إلى قوة من الخلود، لم تقو كل طاقة بني أمية، على مقاومتها.

اضاف: "وفي رواية أواخر العام 61، من الهجرة، بعثت الشام، إلى ولاة الأقطار: لا تتركوا شيئا، يطعن الحسين، إلا أذعتموه، وامنعوا اللسان فيه، واقتلوا باكيه، واحجزوا الناس عن قبره، فإن ذكر الحسين جمر، إن هو ترك، أحرق، ليتأكد بلسان السلطة الأموية، أن الحسين، أضحى يهدد أهم مصالح أكبر دولة في العالم آنذاك، فيما الحسين، قتيل ما بين الأرجاء، ورأسه على القنا، ونساءه سبايا".

واكد أن "هذه فارقة غريبة في التاريخ، على أن الإمام الحسين، لما خرج، لم يكن يملك إلا سلاح "الكلمة"، وسط جيش جرار، وسلطة تملك العالم القديم، فكان أن أسس "مشروع دمه" على سقاية الجذع الذي يؤرخ من الشريعة كل الكلمات، فعن الإنسان، قرر أن الذات الإنسانية، مرآة الجمال الإلهي، وبه تتكيف غايتها والآمال، لذا، لا يمكنها أن تتغطرس أو تضل، وإلا تحولت انتحارا على قارعة الأبد، وعن الوظيفة الإنسانية، بين أن البشرية، لا بد أن تعيش توازنها وفقا لسكة الوجود، وإلا تحولت إبادة وانتحار، أما الدم، فليس بوازن، إذا كان سقى هذا الجذع من مقولة السماء، وعن السلطة بين أنها ليست بشيء، إلا أن تتراكم عينا، وذراعا لخدمة الأهداف التي شقتها السموات على ضوء: من أين.. وإلى أين.؟ وإلا، فإن "الحضارة المادية"، ما زالت تعيش مخاض قطيعة القبر والعمر، حيث لكل وطن، وطريقة، وسنن".

اضاف: "من هنا، أرخ الإمام الحسين، أن النصر هو ما تفتق عن كلمة، تتجذع الوجود، وتتكيف العوالم، وتطابق الأزل، وإلا، فإن عقال السيف، وقصر الإمارات، وجلجلة الحديد، وجيش الجواري، وخزائن الذهب، وقرقعة الأنخاب، تتلاشى على حفة القبور، لتبقى النفس رهينة عينها، وقلبها، وأفعالها، في وطن لا تصلح فيه إلا الحجج، بابا على الأبد، وزادا على الحساب، وهو نفسه، الذي أذهل كل من قرأ الحسين، حيث أرادت أمية قتله فأحيا الأمم، وإخماد ذكره، ففاق الخافقين، ومنع كلمته، فتحولت أصلا ثابتا، وفرعا في السماء، تتسابق إليه نحور الأحرار، على شغف من موت الحياة، حتى قال جونسون: عجبا للحسين يموت بجسده، فتحيا أمم، ويقتل مرة، فيحيا إلى الأبد، وتنهار أمية فيما الحسين يتحول كلمة باقية ما بقي العالم".

وتابع: "على أعتاب هذا النور، أقول: أن يتحول الدم حياة، والرأس سلطانا، والجسد قربانا، والأكف قلادة، والإسم بهاء، والسبي جلادا، والدمع سجانا، والماء لهفانا، والقنا خداما، فتلك "تسع آيات بينات"، لمن أراد برهان ربه على أن الحسين جاد بأسخى دم السماء، فتخلد".

واضاف: "لأن الحسين هذا المعنى من الثورة والدولة والمعابر السماوية وغريزة الوجود وأنماط العبور إلى الله، فإننا أكدنا مرارا أن واحدا من خياراتنا السياسية يرتكز اليوم على الإيمان بالمقاومة، كهوية أخلاقية وضمانة فعلية لا يمكن التخلي عنها، وأن الدولة، مشروع إنسان، وليس صفقة استئثار، أو معاوضة تجار. وأن الشراكة السياسية لا بد أن تتحول إلى قاعدة شعبية ذات ضمانات اجتماعية بعيدة كل البعد عن سماسرة المال والسلطة، ولا يسعنا ونحن على عتبة عيد الإسقلال إلا أن نؤكد بأن الإستقلال الأول عن الفرنسي شكلته دماء شهدائه. وفي الإستقلال الثاني، عادت صيغة الدم لتنتصر على أعتى ترسانة شرق أوسطية – أطلسية والتي تجلت بهزيمة الإسرائيلي عبر شراكة الشعب والجيش والمقاومة لتؤرخ أن حياة هذا البلد المتموضع على خريطة أهم التوازنات الإقليمية – الدولية لا تحيا إلا بالدم ولا تقوم إلا بالمقاومة".

وتابع: "وعلى مستوى المنطقة فإن ما يجري في غزة، دليل آخر على أننا نتعرض لهزة أرضية إقليمية، خاصة أن الفعل العربي، لم يخرج عن إطار التمني والتظني والبيانات، ونخشى بمرارة أن تتحول المجاملات السياسية الجديدة بين المتوسط والأطلسي إلى لغة قتل صامت، لأهل فلسطين وسط جولة خيارات جديدة، من شأن بعض أقنعتها أن تنسف كل أساسات النصر الماضية، خاصة أن بعض وكلاء البيت الأبيض يجيدون طبخ السم بالعسل، وضبط الأوسط على معادلة الذئاب والنعاج رغم العويل الإسرائيلي، وينسون أن دما، في السودان، أو اليمن، أو سوريا، أو ليبيا، أو أفغانستان والعراق، تجتره الآلة الأطلسية عبر كثير من الأقنعة الإقليمية والمحلية ظنا منهم، أن من مات، يمكن أن يحيا بالدينار النفطية، على أن حفظ "الدم السوري"، وتأسيس "وحدة مقاومة إقليمية"، أولى من حفظ "دم الصهاينة" ورعاية ذعرهم وهواجسهم، بعد أن شكلت دمشق، ذراع القدرة لغزة وفلسطين".

وختم: "الجدير بالإهتمام، أن ما كان يسمى بالردع الإستراتيجي لتل أبيب، تحول أمام فجر "5" الإيراني، إلى أشلاء، دعت الأطلسي، لأن يستنجد الزعامات الإقليمية، لوقف النار، ما يعني أن فكرة الحروب الإستباقية خاصة باتجاه لبنان، أضحت مجرد خيال، عل البعض ينهل من الوطنية، ما يبعد عن ذمته السياسية كأس الإرتزاق من وراء البحار، ولنتذكر جيدا، أن دما مازج "نحر الحسين"، لن يعرف إلا النصر والخلود واليقين.
  

السابق
استقلال “المنار” عن الاستقلال
التالي
راغب علامة في الناقورة