غزة تُخرج إيران من القضية الفلسطينية

اذا لم يحصل تطور دراماتيكي هائل في الساعات والايام المقبلة، فسيكون وقف اطلاق النار في غزة بداية لمسارين: الاول، رفع الحصار خلال مرحلة ثانية بعد توسيع نطاق حركة الانتقال والتنقل من غزة واليها بضمان مصري. والثاني، بدء "حماس" باتخاذ اجراءات التفاوض والضغط معا لضبط البندقية الفلسطينية في غزة ولا سيما تلك الخارجة عن الاجندة الفلسطينية، على قاعدة ألا يكون في وسع أي نتظيم ان يطلق صواريخ على اسرائيل بقرار ذاتي وخدمة لاجندات غير فلسطينية، وبالتحديد الايرانية. فلقد خرجت "حماس" من معركة غزة الاخيرة اكثر قوة بفعل الاحاطة العربية الجديدة التي حظيت بها في مرحلة "الربيع العربي" الذي يعيد خلط الاوراق الاقليمية بقوة. وخرجت اسرائيل، وتحديدا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بنصف، او بربع انتصار باعادة العمل بالهدنة لخوض انتخابات كانون الثاني المقبل من دون اهتزازات كبيرة.
و لكن الانجاز الاكبر الذي حققته حرب غزة الاخيرة والذي يمكن تلمسه منذ الآن، هو ترسيخ الانفصال بين "حماس" وايران، وعودة غزة بقوة الى حاضنة عربية متعددة الطرف، ولكن الطرف المصري هو الاقوى لاسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا. فقد جلست طهران في هذه الازمة في مقعد المتفرج من بعيد، واكتفى "حزب الله"، الذراع العسكرية والامنية، بمواقف اعلامية وخطابية عمومية ادلى بها الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ولم تلقَ اي اهتمام. وما نفعت مسرحية الصاروخ المعلن – المغفل في الجنوب اللبناني في حرف التحول الكبير الذي تحقق في غزة. والحال ان هذه الحرب انتزعت القضية الفلسطينية من ايدي ايرانيين، وانتزعت معها نصف قرار الحرب والسلم في المنطقة. وقد بقي النصف الاخر سليما في لبنان. لكن ما يلفت هو ان التحول ما كان ليتم لولا التحولات في العالم العربي، واهمها في سوريا حيث يقوم النظام بشن حرب دموية ضد الفلسطينيين موازية للمجزرة في حق السوريين. ونحن اذ نشهد التحول المشار اليه آنفاً، تقف حركة "حماس" امام مفترق طريق من اجل ان تندفع في مسار المصالحة الفلسطينية مع الشرعية بقيادة الرئيس محمود عباس بما يعيد توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، ويقوي الموقف الفلسطيني للمرحلة المقبلة. ومن مسؤوليات "حماس" سلوك خيار الاستيعاب للتنظيمات، كـ"الجهاد الاسلامي" وغيره من تلك المستتبعة لاجندة طهران او النظام في سوريا، وفتح باب امامها لتنسحب من المحور الايراني الذي سيخسر الجسر السوري في مدى منظور. لقد انتهى بشار الاسد، والآن تتم تصفية الاختراق الايراني فلسطينيا، من هنا مسؤولية العرب ان يكونوا جديين ولا يتركوا فلسطين عالقة بين ذئبين، الاسرائيلي والايراني، كما حصل. ثمة خيار آخر هو الخيار العربي.   

السابق
حكـايات لـم تـروَ مـن ليلـة الاستقلال
التالي
إفتقد لبنان الإستقلال: لبنان الحرية والفكر