السنيورة: حزب الله يُهرّب أسلحة لبيعــها للجيش الحرّ

في بعض اللقاءات التي عقدها الرئيس فؤاد السنيورة في واشنطن منتصف هذا الشهر، قدّم جردة سياسية طويلة لم تقتصر على انتقاد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بل توخّت تلميع صورة قوى 14 آذار «التي تطلب من الولايات المتحدة أن تُظهر تفهّماً أكبر لمواقفها» وفق أحاديثه هناك

نقولا ناصيف
ما قاله الرئيس فؤاد السنيورة لمستمعيه الأميركيين في وزارة الخارجية الأميركية، وآخرين بينهم أكاديميون يعنون بشؤون المنطقة، وعميد كلية جون هوبكنز فالي نصر، وهو باكستاني خبير في قضايا الشيعة، أن تاريخ لبنان لم يعرف معارضة بنّاءة كقوى 14 آذار. قدّم صورة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كما يراها هو وحلفاؤه، وقدّم عن نفسه صورة مغايرة عندما كان وزيراً للمال ثم رئيساً للحكومة لسنوات. ما سمعه محدّثوه الأميركيون منه أنه كان معنياً بجهود الإصلاح ونجح في مراحل منه، لكنه جوبه بـ«مقاومة المجموعات السياسية»، كي يقدّم خلاصة استنتجها من تجربة تردّي علاقة الرئيس إميل لحود بالرئيس رفيق الحريري بقوله: «الإصلاح يجب أن يتم عندما يكون هناك إمكان للإصلاح، وليس عندما نكون مرغمين عليه».
رحّب السنيورة بالائتلاف السوري المعارض، وقال لمحاوريه إن حزب الله «يهرّب أسلحة إلى سوريا كي يبيعها للجيش السوري الحرّ»، وشكك في «معاييره الأخلاقية» عندما تحدّث عن فضيحة الدواء وضلوع الحزب فيها.
بعض مَن حضر اللقاءات بالسنيورة دوّن ما أدلى به، وأرسلها إلى أكثر من جهة لبنانية معنية، وخصوصاً في نقاط لم يُفصح عنها في تلك اللقاءات وكانت مثار انتقاد الرئيس السابق للحكومة.
أسهب في انتقاد حكومة ميقاتي، ولاحظ أن منسوب التوتر في لبنان ارتفع منذ تأليفها، بينما لبنان في حاجة إلى تفاهم جديد بين الأفرقاء. أخذ على ميقاتي انتقائية حكومته في تطبيق سياسة النأي بالنفس التي أيّدها السلف، لكنه قال: «عندما تلائمها هذه السياسة تطبّقها، وعندما تلاحظ أنها تضرّ بها تشيح بنظرها عنها. هناك أربعة أعضاء في حزب الله اتهمهم القرار الظني باغتيال الرئيس رفيق الحريري يرفض حزبهم الذي يسيطر على الأكثرية الحكومية تسليمهم إلى المحكمة الدولية. وفي ما مضى قال حسن نصرالله إنه لن يسلّمهم لا في ثلاثة أشهر ولا في ثلاث سنوات ولا في ثلاثين سنة. يرفض أيضاً تسليم عضو آخر مشتبه فيه في محاولة اغتيال النائب بطرس حرب. كانت هناك محاولة لاغتيال سمير جعجع، وآخر السلسلة اغتيال وسام الحسن. ليس للحكومة تسهيل محاولات الاغتيال، بل آن أوان الإفراج عن بعض المعلومات التي من شأنها تعزيز دور الأجهزة الأمنية لكشف الجرائم قبل ارتكابها».
قال أيضاً إن لبنان في حاجة إلى «صدمة إيجابية تعبّر عنها حكومة تكنوقراط لا تنتمي إلى قوى 8 أو 14 آذار، تعمل على تطبيق سياسة النأي بالنفس على نحو صحيح وسليم، وتُعدّ للانتخابات النيابية وتصحّح الأخطاء الاقتصادية والخلافات مع بعض الدول العربية التي يعتمد لبنان على علاقات جيّدة معها».
وخاطب السنيورة محاوريه بأن وجوده في واشنطن ليس كي يقترح أسماءً لمَن يمكن أن يكون على رأس «حكومة تكنوقراط غير حزبية محايدة»، وتوقف عند ما عدّه الحجّتين اللتين تبرّران بقاء الحكومة الحالية، وهما الاستقرار والخشية من الفراغ. وأضاف: «إن حجّة عدم الاستقرار يفتعلها حزب الله لأن بين يديه سلاحاً ويريد فرض إرادته. وحينما يرفض المجتمع الدولي هذا الوضع يهدّد حزب الله بعدم الاستقرار. أما الحجّة الثانية، وهي الفراغ، فليس في الدستور أي مفهوم للفراغ، لأن الحكومة ما إن تستقيل تستمر في تصريف الأعمال إلى حين تأليف حكومة جديدة».
وسأل: «لا أعرف كيف أن الولايات المتحدة تصدّق أن هذه الحكومة هي الطريق الوحيدة لتفادي الفراغ؟».
ولفت إلى أن حلفاءه في قوى 14 آذار «يؤمنون بدولة قوية ويشجّعون على مساعدة الجيش وتقويته. لكن من أجل تمكين الخزينة اللبنانية من المساهمة بـ30 في المئة من خطة ميقاتي لمساعدة الجيش وتسليحه بقيمة مليار و600 مليون دولار، ينبغي أن يكون الاقتصاد في ظلّ إدارة أفضل». واستعاد جهود الإصلاح التي بذلها عندما كان وزيراً للمال ثم رئيساً للحكومة، وسعيه إلى إصلاح ميزان المدفوعات. وقال: «إن عميداً في الجيش يتلقّى عند إحالته على التقاعد بين 500 و800 ألف دولار تعويض نهاية الخدمة، ويحصل على راتبه كاملاً كمعاش تقاعدي. بل في الجيش عمداء أكثر منهم عقداء». ثم ذكّر بمشكلة واجهها عندما كان وزيراً للمال و«هبّ الشعب» يؤيد وزارته، هي خلافه مع الجيش منتصف التسعينات وتطويق مبنى الوزارة، من غير الإسهاب في هذا الموضوع.
تحدّث بعد ذلك أمام محاوريه الأميركيين عن أحداث سوريا. قال: «لبنان يتأثر بما يجري في المنطقة، والجهود التي بذلتها قطر من أجل توحيد المعارضة السورية في ائتلاف كان ينبغي تحقيقها قبل ذلك بمدة. ما يجري اليوم هو نتيجة لمرحلة طويلة من القمع استحال خلالها تشكيل حركات سياسية في سوريا. وقد احتاجت المعارضة السورية إلى وقت طويل كي يتعاون بعضها مع بعض. كانت هناك جهود حثيثة في الأشهر الـ18 المنصرمة لإقناع النظام السوري بإجراء تغيير، فرفض. اليوم يستخدم النظام القوى النظامية كي يهزم المعارضة، ولا يُظهر الأسد أي رحمة حيال شعبه واقتصاده. لكنني أنظر بأمل وتفاؤل إلى الخطوة الجدّية التي اتخذتها المعارضة بائتلافها. لا مكان لبناء سوريا المستقبل مع الأسد».
وتطرّق إلى التأثير الإيراني في لبنان، بقوله: «عانى لبنان بشدة من معضلة الشرق الأوسط التي كان لها تأثير كبير عليه. وقد لعبت سوريا دوراً بنّاءً حتى عام 2000 في المساعدة على التخلّص من إسرائيل وعدم احتلالها لبنان. لكن بعد هذا التاريخ اتجه سلاح حزب الله إلى الداخل. منذ عام 2000 أصبحت كل المشكلات والخلافات اللبنانية في صلب هدف إيران وطموحاتها. لإيران وجهة نظر دينية تتعلق بولاية الفقيه، وتريد في الوقت نفسه تصدير ثورتها إلى الخارج. الآن هناك تدخّل إيراني أكبر في المنطقة، وخصوصاً بعد الغزو الأميركي للعراق الذي سمح لإيران، ومن دون اعتراض، بالوصول إلى المتوسط. كان لذلك تأثير كبير على لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وأدى إلى تأليف حكومة ساعدت على انسحاب الجيش السوري من لبنان وعلى إقرار المحكمة الدولية التي واجهتها اعتراضات وضغوط من إيران والنظام السوري وصولاً إلى ما حدث في أيار 2008 عند اقتحام حزب الله المناطق السنّية في بيروت».
وأضاف: «احتوى اتفاق الدوحة على كل ما تفاهم عليه الأفرقاء اللبنانيون هناك. لكن بعض هؤلاء تراجعوا عن الاتفاق ممّا أدى إلى سقوط حكومة سعد الحريري. كانت هناك ضغوط إيرانية لحمل وليد جنبلاط على الانتقال من الأكثرية إلى الأقلية، وهذا يخالف ما اتفق عليه في الدوحة. تشكّلت الحكومة الحالية وأصبحت الغالبية القديمة الأقلية الجديدة التي تضم 60 نائباً في البرلمان. حاولت قوى 14 آذار إقناع ميقاتي بتأليف حكومة حيادية. كل مَن في لبنان مسيّس وهذا مؤكد، لكن هناك بعض الأشخاص غير مسيّسين. الحكومة الحالية تحت تأثير حزب الله وإيران من جهة، والنظام السوري من جهة أخرى. تألفت في حزيران 2011 بعد أربعة أشهر من انفجار الأحداث في سوريا، من غير أن يلاحظ المعنيون أن الكثير قد تغيّر. منذ تأليفها ارتفع منسوب التوتر من جراء خلق عدم توازن حقيقي. لبنان في حاجة إلى تحقيق نوع من التفاهم، وقد بذلت قوى 14 آذار كمعارضة جهوداً. لم يعرف تاريخ لبنان معارضة بنّاءة كقوى 14 آذار. عقدنا لقاءات مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبعثنا برسائل في محاولة منا لحمل الحكومة على التصرّف بطريقة بنّاءة. لكن نسبة التوتر ارتفعت في الأشهر الـ18 الأخيرة، كما تراجعت الحال الأمنية».
وقال: «هناك انقسام في الحكومة وإن انتمى وزراؤها إلى الغالبية نفسها. لكن الوضع يسير من سيّئ إلى أسوأ. صحيح أن حكومة ميقاتي اتخذت خطوات مهمة كتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وإن أجرته بطريقة بهلوانية. كان هذا الأمر جيداً بالنسبة إلينا، لكنها ستعرقل الانتخابات النيابية في حزيران المقبل. سوف تهدر وقتاً أطول لأنها رهينة حزب الله الذي لن يوافق على إجرائها إلا وفق مشيئته. لن تنجح قوى 8 آذار في الانتخابات إلا بتقسيم الدوائر بحسب مصلحتها. لذلك فإن الوضع الحالي في حاجة إلى موقف واضح».  

السابق
إفتقد لبنان الإستقلال: لبنان الحرية والفكر
التالي
واشنطن وآسيا وحزب البعث مرتين