الزنّانة.. أداة تعذيب سريّة

لا شيء يكرهه الفلسطينيون في غزة هذه الأيام أكثر من «الزنانة». والزنانة طائرة من دون طيار تتمتع بالقدرة على البقاء في الجو لساعات طويلة وهي متعددة الوظائف والأداء.
قد يكون قطاع غزة من بين أكثر حقول التجارب لهذه الطائرات على مرّ السنين خصوصاً في العقدين الأخيرين، وذلك بعد تنامي المقاومة إثر إبرام اتفاقيات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية. وكان أهل غزة أول من تذوقوا الطعم المرّ لـ«الزنانة» بوصفها طائرة اكتشاف وبوصفها طائرة قاتلة. وبعدها تمّ استخدام هذه الطائرات على نطاق واسع في لبنان، لينتشر استخدامها بعد ذلك فوق بلدان أخرى في المحيط العربي. وعمدت إسرائيل لسنوات على منع نشر أنباء عن القدرات القتالية لهذه الطائرات التي وصلت حدّ الملاحقة والقتل بتوجيه الصواريخ.

وبالأمس فقط أشار فلسطيني إلى آخر بأن «زنانة» قتلت مجاهداً يمشي في الطريق قرب مخيم جباليا، بعد خروجه من محل، بصاروخ لا يزيد حجمه عن عبوة كولا عائلية. واليوم أيضاً يمكن القول إنه لا شيء أكثر صعوبة من الكتابة بحضور «الزنانة». فحضورها، خلافاً للقصف مهما كانت شدّته، ليس للحظة وإنما لساعات طوال تتواصل أحياناً لأيام بفضل التناوب فيما بين عدد منها. ووصل الحد بمن عانى من «الزنانة» وخبر أنواع التحقيق في السجون الإسرائيلية لاعتبارها أقرب إلى أنواع التعذيب الحديثة التي تقوم على إثارة الضجر والانزعاج بشكل متواصل، أكثر مما تعتمد على أسلوب التعذيب بالضرب. كما أن تكلفتها القليلة نسبياً مقارنة بالطائرات الحربية، المقاتلة أو المروحية على حد سواء، تسمح لدولة مثل إسرائيل باستخدام عدد كبير منها ولمهام مختلفة. وهذا يتيح لها أن تغطي بشكل دائم أجواء منطقة أو مناطق مستهدفة.

ويبيّن المعلق العسكري لصحيفة «معاريف» عمير ربابورات أن هناك العشرات من هذه الطائرات تحوم حالياً في سماء قطاع غزة. وكتب أن هذه الطائرات مؤهلة لتنفيذ كل مهمة على الأرض بدقة متر واحد.
و«الزنانة» اسم لطائرة من دون طيار، غير أنه لا يوضح لا ماهية ولا غاية ولا قدرة ولا حتى نوع الطائرة المقصودة. ويشير ربابورات إلى أن قسماً من هذه الطائرات وأنواعها لا يزال في دائرة السرية ولا يمكن الحديث عنها. وأوضح أنه جرى تطوير هذه الأنواع المختلفة من مثل هذه الطائرات بالتعاون بين دائرة تطوير الوسائل القتالية والتكنولوجية في وزارة الدفاع وشعب التطوير في الجيش الإسرائيلي.

وهذه الطائرات مزودة بأحدث منظومات التسليح والسيطرة الإسرائيلية، وهي التي نفذت الكثير من عمليات اغتيال النشطاء والقادة في القطاع وبينهم الشهيد أحمد الجعبري. وبحسب ربابورات، فإنه في كل مهمة للطائرة تشارك منظومات تسليحية وتكنولوجية مختلفة من الكاميرات إلى القذائف. ويبين أن شهرة إسرائيل في هذا المجال قاد إلى أن 90 في المئة من إنتاجها مثل هذه المنظومات والطائرات تصدّر إلى الخارج. وهناك أنواع معينة من المنظومات والطائرات ترفض إسرائيل تصديرها وتبقيها لسنوات في إطار من السرية الخاصة بها.

وعرضت «معاريف» أمس لعشرات من أنواع الطائرات من دون طيار المسموح، طبعاً، بالحديث عنها. ونشرت صوراً لـ45 نوعاً منها بأسمائها، وهي من إنتاج الصناعات الأمنية الإسرائيلية والمعدة للعمل ضمن قطاعات وارتفاعات مختلفة. وبعض هذه الطائرات تُستخدم الآن في الحرب الدائرة ضد قطاع غزة. وبين هذه الطائرات نوع يسمى «راكب السماء» وهو تحت تصرف القيادات الميدانية التي تستخدمه لأغراض تكتيكية، ونوع استراتيجي هائل يسمى «إيتان» ينتشر جناحاها على مسافة 17 متراً، أي بعرض جناحي طائرة «بوينغ 737».

وتختلف هذه الطائرات في قدرتها على البقاء في الجو. فبعضها لا يتعدى بضع ساعات وأخرى تمتد لأيام عديدة. وعلى سبيل المثال فإن طائرة «هيرمز 900» يمكنها التحليق على ارتفاع يزيد عن عشرة كيلومترات والبقاء في الجو 40 ساعة. كما أن طائرة مثل «سيرتشر 3» تحلق لـ 18 ساعة و«بانثر» لست ساعات فقط، في حين أن «بانثر ميني» تحلق لساعة ونصف الساعة فقط. وهناك «بيرد آي» تحلق لساعة، في حين تحلق طائرة «إير ميول» (بغل الجو) لست ساعات كحد أقصى.

ويمكن لطائرة «هيرمز 450» أن تطير لعشرين ساعة، أما «بومرانغ» فلـ 15 ساعة فقط. وتطير طائرة «دومينيتر» لـ 28 ساعة على ارتفاع 28 ألف قدم. ومن بين الطائرات الإسرائيلية المشهورة طائرة «هارون تي بي»، وهي تطير على ارتفاع 45 ألف قدم وتبقى في الجو 36 ساعة، ومنها طراز متطور يسمى «هارون 1» يحلّق على مدى 45 ساعة.
وتشتري دول كثيرة في العالم من إسرائيل أنواعاً مختلفة من هذه الطائرات، التي تكاد تجعل اليوم رأس سكان قطاع غزة يتفجر، وتحجب النوم عن عيونهم.

السابق
واشنطن ترسل 3 سفن الى المتوسط لاجلاء رعاياها تحسبا لتدهور الوضع مع اسرائيل
التالي
نشر صور لصدام بالملابس الداخلية