3 حروب تُحاصر اللبنانيين

ها هو لبنان محاصرٌ بالنيران. واقعٌ بين حربين. حرب على حدوده الجنوبية بين اسرائيل و"حركة حماس" في غزة، وحرب على حدوده الشرقية والشمالية بين السوريين الذين يتنازعون حتى الموت على النظام والسلطة. الى ذلك، تُسجَّل أعلى درجات التوتر في الداخل اللبناني منذ ما قبل اغتيال اللواء وسام الحسن، وحتى ما بعد الصدام المسلح في صيدا.

ومع ذلك لا يشعر أصحاب القرار، اذا كان من اصحاب قرار لبناني فعلاً، بحال طوارىء تستوجب خطوات جريئة واستثنائية لمواجهة العاصفة التي قد تضرب لبنان في أي وقت، سواء بعدوان اسرائيلي جديد او بامتداد النيران السورية. ولا ينفع الانكار اننا نعيش تداعيات الازمة السورية بكل خطورتها، شئنا أم أبينا.

فاللبنانيون منغمسون في النزاع داخل سوريا بشكل او بآخر. وكلما اشتد النزاع، وهذا ما يبدو ان سوريا مقبلة عليه في الفترة المقبلة، سيزداد التوتر في لبنان ويترجم على الأرض بأحداث أمنية متنقلة، مع الأسف.

ما حصل في صيدا هو أول صدام مباشر بين "حزب الله" واحدى الحركات السلفية، ولا يمكن لأحد ان يضمن الّا يكون الصدام الأخير مهما كانت القرارات او التدابير الأمنية. واذا سرقت الحرب على غزة الاضواء، فهذا لا يعني ان عناصر النزاع في صيدا او سواها من المناطق الحساسة، انتفت وأن الفتنة وئدت.

في طرابلس، حصلت ايضاً صدامات لكن لا وجود لـ "حزب الله" بشكل مباشر هناك. ولا يضمن احد ان لا تتكرر على رغم جدّية الجيش وحزمه في مواجهة اي اخلال بالامن او فتنة ليس في الشمال فقط وانما في كل المدن والبلدات.

فالمشكلة في لبنان سياسية ولا يمكن حلّها أمنياً. وهي بالغة الخطورة والتعقيد ولا تنفع مقاربتها بالانكار تحت شعار النأي بالنفس، والهروب الى الأمام وبتدابير عادية وبسيطة وكأن الاحداث التي نواجهها عادية وبسيطة.

ليست بطولة ان تتحمّل هذه الحكومة مسؤولية الدم. البطولة ان تمنع اراقة الدم، وهي حتماً غير مؤهلة لهذا الدور. قد لا يكون رحيل الحكومة حلاً جذرياً لوقف الاغتيالات والامساك بالشارع، لكنه حتماً محاولة جدّية للحد من المخاطر المتنامية للانقسام العمودي والاحتقان السياسي والمذهبي وتجنيب البلاد فتنة تطل برؤوسها وأدواتها أكثر فأكثر.

المشكلة ايضاً ان هناك صيفاً وشتاءً فوق سقف واحد. فريق يشعر انه يطوَّق ويلاحَق وان الفريق الاخر طليقٌ حرٌ لا احد يجرؤ على سؤاله. اما المشكلة الحقيقية فهي أن ليس هناك قرار باقامة دولة، او بتحصين الدولة، ولا وفرة في رجال الدولة.

التوتر والاحتقان بلغا الذروة. السلاح متوافر في كل المعسكرات وإن لم تكن موازين القوى متكافئة. إنها مرحلة ما قبل العاصفة حسب تقرير لوكالة "ستراتفور" الاميركية المتخصصة في الابحاث والدراسات الاستراتيجية والامن السياسي، على اساس ان افرقاء النزاع في لبنان مشغولون في النزاع السوري ويراهنون عليه، وقد يكونون يستعدون لما بعد حسم الوضع السوري.

لم يفت الاوان لتجنب الاسوأ. المطلوب شراكة لبنانية في تحمّل مسؤولية الأخطار المحدقة ومواجهة التحديات، وهذا يتطلب في حده الادنى حكومة جديدة تشكل مظلة واقية لحماية لبنان والسلم الاهلي.

اذا لمْ نحكِّم العقل اليوم ونبادر الى تشكيل مثل هذه الحكومة، فمتى نفعل؟

السابق
إسرائيل والقلق الحقيقي
التالي
على حـافة الشهادة