نصر الله وهرتسيليا عرفا مسبقاً بحرب غزة 


عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة يوم الأربعاء الماضي، فكّر أحد رؤساء مراكز الأبحاث حول الشرق الأوسط في واشنطن، في أنّ من المثير الآن بالذات معرفة رأي السلطة الفلسطينية المأزومة في رام الله والمحشورة أكثر بنتيجة تلك الحرب. بعد لحظات، كان أحد مساعدي محمود عباس على الجانب الآخر من خطه الهاتفي. ما رأيك؟ كانت كل الكلمات التي احتاجها الخبير الأميركي خلال محادثة نهرية؛ إذ انهمر المسؤول الفلسطيني «الرسمي»، بين ما يشبه العتاب والسباب: هذا تماماً ما توقعناه منذ أكثر من عام. وهذا ما حذرنا الإدارة الأميركية من وقوعه مراراً. وهذا ما كنا نخشاه. هذا ما كانت كل التوقعات تصبّ في اتجاهه، وكل المؤشرات السلبية حيال وقوعه تتراكم وتتوضح، لا بل تعلن جهاراً. من هرتسيليا إلى حسن نصر الله.
يشرح الخبير الأميركي مضامين الإشارتين الفلسطينيتين. قبل عام ونيف، ووسط حالة الحبور والنشوة التي كانت تجتاح المهتمين الغربيين بأوضاع الشرق الأوسط، وخصوصاً في لحظة تكوّن انطباع بأن سوريا ساقطة وشيكاً جداً، وأن الجسر الإيراني من طهران إلى غزة قد انقطع وحزب الله وقع في فخ الحصار القاتل… في ذلك الوقت بالذات، أعلن أحد الباحثين في مؤتمر هرتسيليا للدراسات الصهيونية، أن إسرائيل اليوم، بعد ما سمي الربيع العربي، باتت في لحظة خطر وجودي غير مسبوق بالنسبة إليها. وذلك معزو بحسب الباحث الصهيوني إلى أربعة أسباب متراكبة ومتزامنة:
أولاً، انسداد الأفق في عملية السلام على المسار الإسرائيلي الفلسطيني. انسداد بدأ يتحول نوعاً من إيديولوجيا متبادلة للحكم والسياسة لدى صقور الطرفين.
ثانياً، اتجاه الشعوب في البلدان العربية نحو حالة من التطرف الديني المطرد.
ثالثاً، سقوط الأنظمة التي كانت تشكل نوعاً من حماية أمنية وعسكرية للكيان الصهيوني.
ورابعاً، تراجع موقع الولايات المتحدة الأميركية في قيادة العالم، لا بل ظهور تحديات كبرى لمهمتها تلك، وخصوصاً في الشرق الأوسط، فضلاً عن عدم اهتمام أميركي ذاتي بقضايا المنطقة، وبروز اتجاهات حاسمة داخل واشنطن، بضرورة تعديل استراتيجية أميركا لهذا القرن، والذهاب أكثر شرقاً.
يومها سأل الباحث نفسه: ماذا لو قرر الفلسطينيون ذات يوم إقامة «ميدان تحرير» فلسطيني؟ أو ماذا لو تظاهر مئات منهم فقط في اتجاه مستعمرة إسرائيلية؟ أو ماذا لو اندلعت حرب إسرائيلية فلسطينية جديدة؟
عندها قد تكون الأوضاع في حالة من الخطورة لم تعرفها إسرائيل منذ قيامها.
أما عن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، فيشرح الخبير الأميركي أن الإشارة الفلسطينية إليه كانت ربطاً بكلام كثير سابق، بدأ قبل أسابيع، حين أعلن نصر الله في إطلالة له، حول وضع حزبه بعد الثورات العربية بالذات، أنه «مرتاح جداً جداً، وأكثر من أي قوت مضى». لكأن نصر الله كان يتلاقى في موقفه وتقديره لتطور الأمور، مع قلق صهيوني هرتسيليا بالذات. التغييرات الجذرية التي شهدتها المنطقة، والتي حالت حالات الحبور السطحي لدى كثيرين دون التوقف عند أعماقها، هي نفسها ما كان يعرفها الصهيوني فيعلن قلقه، ويعرفها نصر الله فيعلن ارتياحه. فيما إسرائيل وأميركا في عالم آخر. الأولى في حالة رعونة، والثانية في حالة تحول عميق على المستوى الاستراتيجي.
وسط هذا المشهد المصيري، يقتطع الخبير الأميركي فسحة لبسمة عابرة. يتابع عرض انطباعاته، قبل أن يتوقف عند أداء ما يسميه بعض الإعلام العربي «المهضوم». تصور فيما تل أبيب تتعرض لقصف صاروخي هو الأول من نوعه منذ قيامها، كان بعض الإعلام العربي المعروف الخلفية، يتنافس في تقديم قراءتين متكاملتين في الهزل، للحدث. الأولى أن الهجوم الإسرائيلي على غزة، إنما قررته الدول الصهيونية لمساعدة بشار الأسد. وأن هدفها منه هو مجرد حرف النظر عن «مركزية الثورة السورية» في المنطقة اليوم. هل يعقل أن يفكر صاحب قلم، بأن إسرائيل انزلقت بنفسها إلى لحظة خطر وجودي فعلي، من أجل حماية نظام في دمشق؟ أما القراءة المتلهية الثانية، فكانت أكثر ذكاءً في الشكل: كتب البعض الآخر: نعم ستخرج حماس منتصرة من هذه المواجهة. لكن انتصارها لن يقطفه حزب الله ولا إيران ولا سوريا هذه المرة. بل سيجير إلى محور مصر ـــ تركيا ـــ قطر، وهو المحور المصمم على إنهاء الأسد! حسناً فلنسلّم بهذا المنطق، لكن ماذا عن دومينو الانتصار نفسه، بعد سوريا؟ ماذا عن قطر وأخواتها عند ذاك؟ مجرد هذيان.
وسط هذه الصورة، ماذا تفعل واشنطن إذاً؟ التريث الأميركي الثقيل حيال هذا السؤال، لم يكسره في الأيام الماضية إلا كلام هامس لدبلوماسي أميركي رفيع، عرف لبنان وسوريا والعراق واسرائيل طويلاً: إنها اللحظة المناسبة للاستدارة صوب إيران، والتحاور معها في كل الملفات، قبل تفاقم الأمور أكثر.

السابق
لا مسار مشترك حول الأزمة في سورية
التالي
حذف خبر