كيف سيدفع لبنان تكلفة سد بلعا؟

اعترض نائب البترون الشيخ بطرس حرب على توقيع وزير الطاقة الايراني مجيد مانجو ووزير الطاقة اللبناني جبران باسيل مذكرة تنفيذية تتعلق بانشاء "سد بلعا" في منطقة البترون، وتقضي استنادا الى تصريح مانجو بعد زيارته رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بقيام شركة ايرانية بانشائه. لكن اعتراضه كان سياسياً محلياً اذا جاز التعبير على هذا النحو، اذ برّره باقتناع مفاده ان "العملية الانمائية" المذكورة ستمكّن الجمهورية الاسلامية الايرانية وحليفها اللبناني "حزب الله" من مدّ نفوذهما الى منطقة غير متعاطفين اهلها مع سياساتهما التي تمس ثوابت لبنانية معينة. وفي ذلك محاولة جدية وخطيرة لاستكمال الفريقين المذكورين، وهما للمناسبة فريق واحد، تنفيذ مخططهما الذي هو السيطرة على لبنان والامساك بكل مقدّراته.

لكن اعتراض حرب هذا على وجاهته لم يمنع الوزير اللبناني المعني من توقيع اتفاق انشاء السد مع نظيره الايراني، كما لم يدفع رئيسه ميقاتي الى الاعتراض على هذا الأمر. علماً أن هناك اعتراضات اساسية كان من الواجب اثارتها ليس فقط من النائب حرب الذي قام بدور ما على هذا الصعيد، بل من زعامات سياسية وقيادات اقتصادية متنوعة، وذلك نظراً الى المتاعب التي لا بد ان يوقع فيها لبنان تعامله مع ايران اقتصادياً وتجارياً ومصرفياً.

والسبب الأساسي لذلك هو العقوبات الدولية والأخرى الأميركية المفروضة عليها، والتي تزداد تدريجاً، والتي صار تأثيرها السلبي على الشعب الايراني وكل القطاعات الاقتصادية الايرانية كبيراً جداً. الاعتراض الاول، كما يقول متابعون لأوضاع ايران بعد العقوبات المشار اليها، يبدأ بسؤال هو الآتي: كيف ستدفع الحكومة اللبنانية تكاليف انشاء "سد بلعا" للشركة الايرانية التابعة للحكومة في طهران سواء كانت خاصة رسمياً أو عامة؟ وينبع السؤال من معرفة هؤلاء ان التعامل المالي مع ايران حظرته العقوبات. وعدم احترامها يوقع لبنان في مطب تحدّي المجتمع الدولي وهو لا قدرة له على ذلك عملياً، رغم الادعاءات العنترية لغالبية قادته. ومصرف لبنان تحديداً لا يستطيع تسديد تكاليف انشاء السد المذكور ليس فقط لأن عقوبات دولية واميركية ستشمله، بل لأنه مسؤول عن قطاع مصرفي لا يزال "الأسلم" من بين كل القطاعات الاقتصادية في البلاد، ولأن تسديداً من هذا النوع سيعرضه لتجربة قاسية جداً لا يعرف أحد اذا كان في استطاعته احتمالها. وطبيعي أن يتسبب ذلك بأذى كبير بل نهائي للقطاعات الاقتصادية الأخرى. علماً أنها بدورها تعاني ضيقاً جديداً من دون "جميلة" العقوبات.

طبعاً قد يقول البعض، يستدرك المتابعون انفسهم، ان في الامكان دفع كلفة انشاء السد نقداً. لكن السؤال الأول الذي يُطرح هو من أين تأتي حكومة لبنان بالمال "الكاش" وهي التي تعاني عجزاً كبيراً مزمناً؟ اما السؤال الثاني والأهم الذي يُطرح فهو ألا يعتبر المجتمع الدولي ومنه اميركا أن الدفع نقداً يُعتبر وحتى قبل التحقق نوعاً من تبييض الأموال، وفي ذلك مخالفة لكل المواثيق المرتبط بها لبنان؟ الى ذلك كله يتحدث المتابعون انفسهم عن اعتراضين آخرين فقط ليظهروا عملية الضحك على اللبنانيين التي يمارسها سياسيوهم، رسميين كانوا او غير رسميين. الأول، هو عرض ايران مد لبنان بكهربائها عبر العراق وسوريا. وهو عرض جيد وجدي لو كان تنفيذه ممكناً. لكن التنفيذ يبدو مستحيلاً لأن العراق لا يزال في وضع غير مستقر، الأمر الذي يجعل الكهرباء تصل الى لبنان "متقطعة". وثانياً، لأن سوريا في حال حرب وهي تعاني "قلة كهرباء" ولم تعد مؤهلة عملياً لتكون ناقلة للكهرباء الايرانية الى لبنان. وثالثاً، لأن ايران تعيش وضعاً قلقاً رغم قوتها بسبب "اشتباكها" السياسي مع العالم الذي سيصل بعد اشهر الى نهايته. اذ إما ينتهي بحوار ما فاتفاق او بضربة عسكرية اميركية كبيرة جدا. ووضع كهذا يُفترض ان لا يغري لبنان بقبول العرض الايراني. اما الاعتراض الثاني فهو على استعداد ايران الذي أبداه وزير طاقتها لمساعدة لبنان في مجالات التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما بعدما تأكد وجودهما في ارضه وبحره. فايران التي حالها كالموصوفة اعلاه لا يستطيع لبنان ان "يتورط" معها بالكامل.

هل يعرف المسؤولون اللبنانيون ذلك او يجهلونه؟ بالتـأكيد يعرفونه. لكنهم لأسباب داخلية بحتة يبدون استعداداً رسمياً للتعاون مع ايران، ويعتمدون على العوامل الاقليمية والدولية لمنع ترجمة هذا التعاون. الا اذا كانوا متأكدين من ان العقوبات على ايران لا تمنع التعاون معها.

السابق
لماذا التخلي عن الأردن؟
التالي
التداعيات السياسية للحرب على غزة