حتى تبقى الصيغة

يحاول رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط إختراق جدار الأزمة القائمة بإطلاق مبادرة وصفها وزراء جبهة النضال الوطني بالإنقاذية، من دون الإفصاح عن تفاصيلها، ما عدا الجانب المتعلق بالتغيير الحكومي والذي أصبح مطلباً عند رئيس الاشتراكي لإخراج البلاد من عنق الأزمة.
ويعوّل جنبلاط على تفهّم الأطراف المتخاصمة لحيثية الأسباب التي دعته إلى إطلاق مبادرته، وعلى التجاوب معها، بدلاً من الاستمرار في التمترس وراء مواقف مسبقة لن توصل إلى أية نتيجة بقدر ما تزيد من تعقيدات الوضع ومن التشنج الذي بلغ ذروته بإعلان المعارضة مقاطعة مجلس النواب وأي حوار يدعو إليه رئيس الجمهورية إلى أن تستقيل الحكومة بوصفها تتحمّل مسؤولية الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي استهدفت قياداتها وعناصرها.
ومهّد جنبلاط لمبادرته بإطلاق حملة دعائية لها عبر وزراء ونواب جبهة النضال الوطني بوصفها الحل السحري الذي يُخرج البلاد من عنق الأزمة التي تحاصره، متجاوزين تحفظات رئيسهم السابقة على دعوات المعارضة إلى استقالة الحكومة كونها حكومة اللون الواحد الذي يهيمن عليه حزب الله، ويحميه بفائض القوة الذي يتفرّد بامتلاكه، ويهدّد كلما احتدمت الأزمة والصراع على السلطة باستخدامه، ما جعله يُمسك وحده بالقرار، وتشكّل الحكومة مجتمعة الغطاء اللازم له.
والسلاح السحري الذي يؤشر إليه جنبلاط هو شعور الفريقين المتنازعين بحجم المخاطر التي تهدد الصيغة اللبنانية قبل أن تهدد الاستقرار المهزوز الذي ما زال البلد ينعم به في حال استمر الاشتباك السياسي بينهما على القضايا الجوهرية الداخلية، وعلى الخيارات الإقليمية والدولية التي تشكّل رأس حربة هذا الاشتباك وحاجتهما بالتالي الى دخول فريق ثالث على الخط، يتولى تهيئة الأجواء لإقامة حوار جدّي يؤسس لقيام حكومة وحدة وطنية ينخرط فيها الجميع على قدم المساواة، وتتولى التحضير لإجراء انتخابات نيابية شفافة تتوضح على ضوء نتائجها طبيعة المرحلة القادمة، ويكون جنبلاط بذلك كرّر تجربة اتفاق الدوحة الذي طوى حالة الانفصام الداخلية، وأسّس من خلال قيام حكومة وحدة وطنية لمرحلة جديدة سادتها أجواء هادئة قبل نشوب أزمة المحكمة الدولية وإحالة شهود الزر أمام المجلس العدلي والتي انتهت بإقالة حكومة الوحدة الوطنية وقيام حكومة صناعة سورية أطلق عليها حكومة حزب الله.
لا يعني ذلك أن جنبلاط تخلى عن وسطيته وأعاد تموضعه في قوى الرابع عشر من آذار، فلو كان الأمر كذلك لكان بإمكانه أن يغيّر أصول اللعبة، ويُسقط الحكومة الحالية بخروج وزرائه ووزراء رئيسي الجمهورية والحكومة منها، وحتى بخروج وزرائه فقط لأن في خروجهم تسقط عنها الشرعية الميثاقية، وتصبح عبئاً على البلاد، وبالتالي فإن مبادرة جنبلاط تأتي من وحي تحسسه بخطورة استمرار هذا الاشتباك بين الفريقين ليس على الاستقرار وإنما أيضاً على الصيغة.

السابق
حذف خبر
التالي
المعارضة الكويتية ستتظاهر عشية الانتخابات