الشرق الجديد


في المعركة على غزة إنه التاريخ العربي الجديد تعاد كتابته بأحرف من دماء. يتساقط أبناء الشعب الفلسطيني لتروي دماؤهم أرضها التي تحتل منذ أكثر من ستين عاماً. وتعلو قامات المجاهدين الذين يذهبون واحداً واحداً إلى سجلات التاريخ الذي كتبه شعبنا الفلسطيني منذ عز الدين القسام وسعيد العاص ليلتحق بهم أحمد الجعبري شاهداً على أن الرواية ما تزال في البداية إلى أن تنتهي فصولها المتلاحقة بعودة فلسطين إلى أصحابها الحقيقيين الذين أعطوا البشرية مفاهيم الحق والحرية والسلام.
اليوم في غزة، كما في كل أيام الصراع مع العدو الصهيوني تتثبت حقائق عدة:
أولاً: إن الصراع هو وحده الطريق الحقيقية للحرية طالما أن هنالك احتلالا، الصراع يُسقط كل أساليب التسوية التي تم اعتمادها في عمر المعركة الأخيرة. لذلك فإن السلطة الفلسطينية على طريق الشعب الفلسطيني معنية بأن تعيد النظر في التسوية التي تم الاعتقاد بأنها حصلت في أوسلو. فتلحق هي كلها بالأطر التي وضعتها الثورة منذ 1/1/1965.
ثانياً: إن معركة غزة هي ذاتها معركة الكرامة. ذلك لأن تاريخ الحركة الصهيونية لم يتغير. وذلك لأن تاريخ المقاومة لن يتغير أيضاً. إنما بدأت تحصل ظواهر جديدة، فبعد تحرير غزة عنوة اثر تحرير لبنان عام 2006 عنوة أيضاً. إن الأمور متصلة على الساحة القديمة باتساعها. فبعد طائرة أيوب التي أطلقتها المقاومة في لبنان تسقط طائرة الاستطلاع فوق أرض فلسطين. فالحرب التي يصنعها العدو على الأرض تصنعها الآن المقاومة في السماء. إن معالم الأرض ومعالم السماء تتغير إلا أنه بقوة شديدة. مما يقضي بعد إسقاط أوسلو ومفهوم السلام الأميركي الذي انطلق من أوسلو بإسقاط كل مفهوم التسوية الأميركية الكاذب الذي يبقي الأرض في سياق الصراع.
ثالثاً: من هنا فإن الوحدة الفلسطينية، وحدة الفصائل الفلسطينية المجاهدة قد أضحت مطلباً وطنياً للشعب الفلسطيني لأنها مطلب قوي للأمة في سياق معركتها الكبيرة من أجل إلغاء الخطة اليهودية التي انطلقت مع اتفاقية سايكس ـ بيكو «فليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا غير اليهود» كما يقول سعاده. إنه المشروع الذي يتواصل في التاريخ الحديث، هو مشروع إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين. إنه ليس مشروع نتنياهو وبيريز وشارون وحسب. إنه مشروع كل اليهود في العالم، إن اليهود الذين يصنعون السياسة الأميركية يحاولون صناعة سياسة الشرق الأوسط بالمشاريع التي تم الإعلان عنها من قبل الإدارة الأميركية بالقرار 1559 وقرارات الشرق الأوسط الكبير وغيرها من القرارات التي تساهم بها الأمم المتحدة كأداة طيعة في أيادي الولايات المتحدة الأميركية. إذن طالما أن المعركة مع الحركة الصهيونية هي ذاتها المعركة مع أولويات المتحدة الأميركية فإن الحرب التي تستمر طويلاً بالنهاية سوف تكون حرباً للبشرية التي لها الحق بالمقاومة كما أنه لشعبنا الحق بالمقاومة، إذن الحق بالانتصار.
رابعاً: إن الحرب الآن، بعد غزة أخذت طابعها الدولي فمواقف الصين وروسيا بإعلان الفيتو في مجلس الأمن لمرتين متلاحقتين إنما هو بداية تنضم إليها دول البركس ينقسم العالم قسمين كبيرين حيال سورية وحيال فلسطين في الآن ذاته. فالحرب في غزة والحرب على سورية من قبل الإرهاب الغربي إنما هو إعلان لحرب عالمية ثالثة يكون الشرق كله منطلقها. فالمعركة الآن بعد المعركة على سورية أصبحت معركة على الشرق كله أسموه كبيراً أو شرق أوسط جديد. الأسماء كلها متشابهة والسياسة الأميركية ـ الصهيونية واحدة موحدة للسيطرة على العالم كله.
خامساً: «لم يوجد العقل الإنساني عبثاً عبثاً ليتقيد وينشلّ. بل وجد ليعرف، ليدرك، لينتصر ليميز… ليعين الأهدف وليفعل في الوجود». إن الفعل في الوجود كما يقول سعاده منذ بداية القرن العشرين، يحصل الآن في غزة ويحصل أيضاً في سورية. فتظهر جلياً حقيقة المعركة الآن في سورية. إنها تتم من قبل كل هذا الإرهاب العالمي ليتعطل دورها في حماية الشعب الفلسطيني، ففي عام 2008 كان العماد آصف شوكت والقادة السوريون يحملون السلاح على أكتافهم ليوصلوه إلى فلسطين. الآن إنهم يريدون الانفراد بالمعركة على فلسطين بتعطيل دور سورية. إلا أن سورية بالرغم من الحرب عليها تنتصب شاهقة في التصدي، تحتفظ بسلاحها الذي هو وحده سوف يبقى سلاح الأمة التي بصمودها تنتصر الآن. فالمتغيرات كثيرة بدأت تظهر رويداً رويداً. فما سمي بالربيع العربي أو الحراك العربي بدأت ملامحه تتغير في الموقف المصري والمواقف العربية. صحيح أن سحب السفير المصري من دولة «إسرائيل» يكفي للتغيير وإرسال رئيس الوزراء المصري إلى غزة لا يكفي إلا أن شيئاً ما في السياق المصري قد بدأ بالظهور مما يعني أن تغيرات كبيرة على الساحة العربية متوقعة في المرحلة القادمة خاصة وأن ملامح الانتصار في غزة قد بدأت بالظهور رويداً رويداً. فمجرد الصمود بوجه آلة القتل «الإسرائيلية» وظهور القوة في امتلاك السلاح الذي وصلت صواريخه إلى تل أبيب كل ذلك يشير إلى أن المسألة ليست في كيفية وصول هذا السلاح بل بأن الشعب الفلسطيني بقدرة قادر يستطيع أن يحصل على الصواريخ من إيران أو غير إيران فيكون بذلك يصنع نصراً للأمة مجتمعة.
سادساً: أن كل يوم ينقضي في المعركة الآن في غزة يدعو الدول العربية ـ إن بقيت هناك دول عربية – لعل الحصار عن قطاع غزة وإطلاق حركة المقاومة بتوحيد الفصائل الفلسطينية وبإسقاط مشاريع التسوية الغربية الأميركية التي لم يحصل منها شيء إلى الآن ولن يحصل شيء في المستقبل فوحده الصمود هو الذي يحقق الانتصار وغير ذلك كله خدمة للأهداف والمصالح الغربية.
إن بداية للحرب العالمية الثالثة منطلقة الآن في فلسطين. وهي قد بدأت على كل الشرق، في سورية ولبنان وغزة وغيرها فهذا الشرق الذي أسس للحضارة الإنسانية يؤسس الآن في غزة لحضارة جديدة يحتاج إليها العالم الغارق في مصالح السيطرة والاستبداد. إن معالم عالم جديد بدأت بالظهور. فالشعوب هي التي تصنع حاضرها ومستقبلها كما يفعل ذلك الآن شعبنا في فلسطين.

السابق
العدو يدمر مقر الحكومة..والمقاومة تجدد استهداف تل ابيب
التالي
إنتخابات إسرائيلية بالدم الفلسطيني !