نصرالله: تصعيد لتغطية الفشل

 الخطاب التصعيدي، بل الاستفزازي، للأمين العام لـ «حزب الله» ليس مؤشراً الى ارتياح سياسي وأمني كما يحاول الإيحاء، بل يهدف في الحقيقة الى تغطية فشلين كبيرين يواجههما الحزب، داخلي وإقليمي، يتمثل الأول في ان معظم اللبنانيين ما عادوا يصدقون ادعاءاته بنزاهة مقاصده واختلاف تركيبته وطريقة عمله عن التشكيلات السياسية «التقليدية» بعد سلسلة الفضائح التي طاولت قياديين فيه، والدلائل المتراكمة التي تشير الى تورطه في ماكينتي الاغتيالات والفساد. اما الثاني فالطريق المسدود الذي وصلت اليه جهوده المشتركة مع ايران لحماية نظام بشار الأسد بعد نجاح اطراف المعارضة السورية في توحيد صفوفها تمهيداً لنيل الاعتراف الدولي بشرعية تمثيلها للسوريين.
وهكذا عاد نصرالله الى نغمة «العمالة» لإسرائيل لتبرير رفضه لأي بحث في كيفية ضبط سلاحه واخضاعه لمنطق سيادة الدولة، بعدما انتهت عملياً «اهزوجة» المقاومة منذ انتهاء حرب 2006 ونشر قوات دولية على الحدود، متذرعاً بأن الذين يطالبونه بذلك تعاملوا في الماضي مع العدو. وفي الواقع، فإن الغالبية الساحقة من اللبنانيين، خارج طائفة الحزب، وأقلية مهمة في داخلها، لا تجد فرقاً كبيراً بين العلاقة بإسرائيل والعمالة لإيران، ففي كليهما خروج على الوطن والدولة وارتهان للخارج الباحث عن تحقيق مصالحه.
لكن الفارق هو ان الذين اقاموا علاقة بالعدو خلال الحرب الأهلية اعترفوا لاحقاً بخطأ «الالتقاء الموقت للمصالح» مع اسرائيل في وجه قوة فلسطينية مسلحة سيطرت على القرار اللبناني، ثم في وجه احتلال سوري للبنان بذريعة انقاذه من الفلسطينيين، وهم حالياً في طليعة المدافعين قولا وفعلا عن سيادة لبنان وقراره المستقل بعد المصالحة الوطنية التي انتجت اتفاق الطائف وأنهت الاقتتال الداخلي. اما الذين يقيمون اليوم حلفاً «مقدساً» مع ايران من منطلق ديني طائفي، فلا يرون غضاضة في المجاهرة بأن لعلاقتهم هذه أولوية على لبنانيتهم، وأنهم جنود يخدمون سلطة ايرانية عليا متمثلة في «الولي الفقيه» من دون اي نقاش ولا تلكؤ.
ولهذا لا يحق لمن هو غارق في الخطأ حتى أذنيه ان يعطي دروساً لمن تعلم الامثولة وتجاوز اغلاط الماضي.
والمهم الآن ماذا يفعل «حزب الله» الممسك بالحكومة والى اين يقود البلاد؟ والجواب ليس صعباً في ضوء التدهور الأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده البلاد، ومعظمه بقرار واع منه، او بتغطيته لما يأتي من خارج.
اما تصنيف نصرالله اتهام «البعض» لحزبه بالضلوع في اغتيال اللواء وسام الحسن، في باب «الفتنة بين السنّة والشيعة»، فقلب للحقائق يبرئ القاتل من تقصّد الفتنة ويتهم الضحية بما سعى اليه. فالذين ساندوا اغتيال الحسن لوجستياً وسياسياً وإعلامياً هم الذين خططوا لتفجير لبنان طائفياً عبر شبكة سماحة – مملوك، ووجهوا التهديدات المتلفزة اليه بعد كشفها، وهم الذين يدافعون عن حاكم دمشق الذي يكرر الكلام عن «حريق كبير» في المنطقة اذا سقط نظامه.
لكن هذا السقوط لم يعد بعيداً، وهو بالتحديد ما يقلق نصرالله ويدفعه الى التشدد أملاً في تعويض بعض الخسارة الفادحة المقبلة، سواء عبر التمسك بحكومته المتهاوية او عبر التسريبات عن «طائف جديد» يكرس غلبة السلاح على الدولة وأهلها، ويستبدل ادارة دمشق – طهران المشتركة للبنان، بدور ايراني بحت. 
 

السابق
السؤال الأول لمصر وحماس
التالي
عن المأزق الوطني الكبير