لتجنّب الفتنة

حرّك حادث صيدا المؤلم والمستنكر الفئات السياسية والشعبية تداركاً لتداعياته على الوضع العام في لبنان، الذي يتعرّض منذ مُـدّة غير قصيرة لهزات أمنية، والأخطر أنها وصلت إلى ترداد النغمة المذهبية التي يرفضها الكل، بلا استثناء، خشية نتائجها ومضاعفاتها، وهي كالحرب المتواصلة بأشكال مختلفة لا أحد يخرج منها رابحاً، كما أكدت التجربة المريرة.
ولا يكفي بالطبع إبداء التخوّف، بل توقف سياسيين عن الشحن في تصرفاتهم وتصريحاتهم، والأبرز هو ممارسة العمل بعيداً عمّا نشاهده ونسمعه وتمتلئ به أعمدة الصحف يومياً، من دون وعي بمؤثراتها على المواطنين وقد باعدت بينهم السياسة والانتماءات الضيقة وفرضت عليهم ما لم يكن في حسابهم أو اعتقادهم، وهذا ما أدى أيضاً إلى التشرذم والعزف على وتر تحريك الحساسيات والاعتبارات الضيقة.
وعندما يلتزم سياسيون بما يحصّن الوطن ويحميه من التنافر والتباعد يتحقق خنق نغمة الفئوية والمذهبية وهي أخطر ما يتعرّض له بلد، وكانت دول كبرى سباقة إلى صهر أبنائها في بوتقة واحدة ولا هدف إلا ما يدفع إلى التقدم حيث اختفت نزعة العرق واللون والانتماء الى غير ما يباعد ويفرق بل يوحّد ويقرّب باعتماد مبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص من دون تمييز، وقد أدى هذا النهج إلى التقدم والتطور، ولعل استعادة الذاكرة ما عانى منه لبنان من تمزّق وتشرذم بحروب فئوية غير بعيدة عن أصابع خارجية ترسخ مفهوم المواطنة الصحيحة والعمل بمفهوم الديمقراطية.
وكيف ندفن المخاوف من مذهبية وطائفية ونحن نتعرض لمواقف تغذيها في وقت أحوج ما نكن نحن أبناء البلد الواحد الموحّد والمميز بصفة العيش المشترك وحرية القول والعمل إلى ما يرسخها سياسياً واجتماعياً ومساواة في الحقوق والواجبات، وهذا هو واجب السياسيين، فلا يمضون في عدم التورع عن استخدام كلمات غير جارحة وبعيدة من نزعة النفوذ الذاتي وهو مؤقت مهما كان المنصب أو المركز لأن الوطن وسلامه وأمنه هي الأبقى، والأغرب أننا لا نسمع من يعمل لتلافي الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية وتنشيط السياحة ووقف إقفال محلات تجارية وصرف عمال والحد من الهجرة.
هذه العوامل تلقي المسؤولية الكاملة على عاتق سياسيين لا يتورعون عن استخدام تصريحات ادخلت على القاموس ألفاظاً منفرة ومقلقة إلى حدّ الانفصال الكامل بين هؤلاء وبين أبناء الوطن، وليتهم يسمعون شكاوى النّاس وصراخهم وغضبهم على من هم بعيدين من الولاء إلا للوطن الآمن المستقر والمتطور ليتبينوا كم هي المسافة شاسعة بينهم.
وفي حال استمرار ذلك الاسلوب المنفر فان التخوف من فتنة مذهبية وسواها يتضاعف في ظل الصراع السياسي البعيد عن المسؤولية والملتصق بالحفاظ على الإفادة حتى على حساب الوطن وأبنائه.

السابق
الأسير المتضخم في صيدا
التالي
السؤال الأول لمصر وحماس