الأسير المتضخم في صيدا


سقطت صيدا في الفتنة، أو ربما لم تسقط بعد، لكن المحاولات مستمرة لإغراق المدينة في أتونها، وجعلها قاعدة لتصديرها الى باقي المناطق والمدن في مختلف أنحاء لبنان، حيث لا توجد منطقة نقية، حتى تلك التي توصف بـ»العمق» أو «المعقل» لهذه الطائفة أو تلك أو هذه الجماعة وغيرها.
انكشف الوضع بعد حادثة صيدا نهاية الأسبوع الماضي، على اهتراء في كامل البنية السياسية والإجتماعية والثقافية بفعل ردود الإستغلال، إلا ما ندر، فمن تجمهروا حول الفتنة كانوا أكثر ممن تفرقوا عنها.. ولما لا إذا كانت هي المعبر الى استعادة الحالة وحتى الوجود كما فعل «حزب المستقبل» وما عبّرت عنه «فصيحتهم» في صيدا وما دافع عنه نائبها الثاني حاصد المليارات واللاهث خلف الزعامة التي باتت «سنيورية» بامتياز بعد افتقاد القامات التي كانت تظلل الوضع الصيداوي وتجمعه تحت عباءة الوطن في أحلك الظروف التي مر بها.
ما فعله أحمد الأسير كان وليد «صبيانيته» بشهادة من يعرفه، لكن هذه الصبيانية اسقطت دماء لشباب ضللهم بخطابه المذهبي، مع العلم أنه أُبلغ من قبل من واجههم بأنهم على استعداد لتلبية طلبه درءَ للفتنة، لكنه قرأ الرسالة خطأً واعتبر ذلك ضعفاً، فقرر أن يظهر بطولاته فجاء الرد عليه، لكن الأخطر هو ما ذهب الأسير الى فعله عبر دعوته الى تشكيل «تنظيم مسلح» بهدف الدخول في مواجهة عسكرية على مستوى المدينة تحت شعار «تحريرها» ممن يعتبرهم «محتلين»، وهم ليسوا اكثر من مواطنين ربما أصلاء أكثر منه فيها ولهم في تاريخها باع طويل، وهذا الأمر لن يسمح به أحد، لأنه يشكل مدخلا حقيقياً الى الفتن التي ستوأد قبل ولادتها وما يعنيه ذلك هو استخدام القوة ما لم يتم التراجع عن تلك الخطوة.
مصادر مواكبة لما يحدث في صيدا تتخوف من أن يكون الأسير قد دخل في لعبة الاستغلال من قبل أطراف محلية ودولية تريد أن تحارب به، مستغلة ما يعتمر قلبه من أحقاد لا يسيطر عليها عقله، مشيرة الى أن «حزب المستقبل» يحرضه على فعل ما يتمناه ولا يستطيعه، واضعين أمامه وعود الدعم المادي والمعنوي، ناهيك عما يصله من رسائل تشد أزره من دول تنشط على خط الأزمات في المنطقة لا سيما في سورية وفي مقدمتها دولة قطر.
وتضيف المصادر، إن خطوة الأسير ستشكل ذريعة كاملة للإنقضاض عليه خاصة وأن تشكيل «ذراع مسلح» قد يعرّض خيارات استراتيجية للخطر بفعل وجوده عند نقطة هامة على خطوط إمداد المقاومة في صراعها مع «إسرائيل» وهو ما لن تسكت عليه، في حين أن حلفاءها في المدينة لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال ذلك ،أو حيال محاولة محاصرتهم والسيطرة على المدينة التي حفظها على مدى عقود الأزمات التي مر بها لبنان.
لقد بادر حزب الله وهيئاته الاجتماعية الى بدء التحضيرات لإحياء ذكرى عاشوراء في المدينة جرياً على عادته في كل عام، آخذاً في الاعتبار ما كان الأسير أعلنه خلال إحياء المناسبة في العام الماضي من أنه سيمنع إقامتها هذا العام، وقد عمم الحزب تعليمات أمينه العام السيد حسن نصرالله على كافة لجان الإحياء بضرورة تجنب كل الإشكالات التي تؤدي الى الفتنة أو استغلال المناسبة لولوجها، وهو كان ترأس قبل ايام اجتماعاً لكوادره الأساسيين بحثت فيه كل المخاطر وكيفية تفاديها والسيطرة عليها وكانت تعليمات السيد حاسمة لجهة عدم السماح باستغلال المناسبة لأهداف «تخريبية» أو استفزازية.
سعى حزب الله الى ترتيب إقامة المجلس العاشورائي في صيدا وهو كان على استعداد لإلغائه في ما لو كان سيؤدي الى أية مشكلة، لكن الأسير سرع من خطوته في محاولة لإثبات الوجود وهو كان حضر لذلك بتعبئة جماعته باجتماعات على مدى أيام كما كان توعد سراً وعلانية أنه سيري حزب الله ما لم يره سابقاً، اي أن ما فعله كان عن سابق تصور وتصميم الأمر الذي يحمله عواقب ذلك قانونياً وأخلاقياً.
ردُ عناصر حزب الله كان دفاعاً عن النفس لم يتوقع الأسير حدته، وهو الذي كانت عناصره بدأت بإطلاق النار تحت شعار «حماية الشيخ» وتغطية خروجه من المنطقة، وهذا ما أثبتته كل التقارير الأمنية وحتى ما عرضته التقارير المصورة لبعض وسائل الإعلام، والتي حاول الأسير دحضها من خلال توزيعه صوراً التقطتها جماعته أثناء الحادثة.
تقول المصادر المواكبة لحادثة صيدا إن الأمور مسيطر عليها حالياً، وأن المعالجات تسير بشكل طبيعي باتجاه تجاوز ما حصل، لكن التطورات مرهونة بما يمكن أن يقدم عليه الأسير «المتضخم» الذي يفتقد الى النظرة الواقعية وانصياعه لرغبات نفسه وما تحاول بعض الجهات دفعه اليه.

السابق
تحت خط الفقر في الفكر السياسي
التالي
لتجنّب الفتنة