بلد ممزّق ملزّق مستقر في مأزق

كما في السجالات كذلك في المواعظ: تحذير من الفتنة في لبنان. لكن التحذير ليس كله تحذيراً، حين نعيش في مناخ الفتنة المشحون والأخطر من الاشتباكات المتنقلة بين منطقة واخرى. والخوف منها هو احياناً تخويف بها للتسليم بالواقع اللاطبيعي الذي تدار به اللعبة السياسية من مواقع طائفية ومذهبية توظف الفتنة لمصالحها من دون الوقوع المدوي فيها. فالسجالات، على حدتها وهبوط مستواها، أقل فظاعة من المشاعر المكبوتة. والمواعظ، على ما فيها من ترفع وطني ودعوات صالحات، أعجز من ان تبدل شيئاً في المسار الانحداري.
والكل يعرف ما يعترف به البعض ويغطيه البعض الآخر: لا نقص في مواد الفتنة. لا في العصبيات الموروثة والمصنوعة التي وصلت الى اعلى مراحل التوتر. ولا في السلاح الذي نداري عجزنا عن حل مشكلته بالحديث عن منع الظهور المسلح من دون منعه بالفعل، تاركين شجرة السلطة تحجب الغابة المسلحة. ولا في الصراع المذهبي المحمي دولياً في المنطقة والذي نرتبط به ونندفع في محاوره ونحن نسجل الحياد على الورق في اعلان بعبدا، ونراهن بالأوهام على نتائجه في لعبة استراتيجية اكبر منا ومن القوى الاقليمية التي تتصور أن أدوارها وحصصها ونفوذها هي أساس السيناريو الذي عنوانه إعادة تشكيل الشرق الأوسط.
ومن الصعب الاستمرار في سياسة المكابرة وسط لجوء البعض الى المغامرة والبعض الآخر الى ممارسة الاستكبار على الآخرين.

فنحن على حافة الهاوية. وأية خطوة اضافية في الهرب الى الأمام تعني الوقوع في الهاوية. ونحن بلد ممزّق وملزّق. ممزّق بالخلافات والانقسامات الأفقية والعمودية والاستقواء بالقوى الإقليمية والدولية. وملزّق بقوة الخوف الداخلي من الانهيار الكامل وقوة الخوف الخارجي من استهتارنا بمصير البلد ومن أن نشغل القوى الإقليمية والدولية بما ليس وقته لأنها مشغولة بحرب سوريا في اطار الصراع على الشرق الأوسط.
وليس ما نسميه الاستقرار ونخاف عليه سوى وضع هش خطير يجب أن نخاف منه، ومأزق يجب أن نسعى للخروج منه. فالأمن خط أحمر لكنه متعرج، حيث لكل يوم مشكلة أمنية نسميها إشكالاً. والاقتصاد راكد بلا نمو، لكن النمو كبير في العجز والدين العام. والأمان السياسي مفقود الى حد التخوف من الفراغ اذا استقالت حكومة المغالبة في بلد لا يحكم الا بالمشاركة. ومسلسل الاغتيالات بلا نهاية. وبدل أن نحفظ رؤوسنا من العاصفة الإقليمية التي تهب، فإننا نذهب اليها منقسمين.
ومرحباً استقرار، حين يكون دوراناً في مأزق وحرباً أهلية باردة تتخللها معارك ساخنة متنقلة، وكل شيء باستثناء الحرب الأهلية الحارة والكاملة.

السابق
صيدا تترقّب انتقام الأسير
التالي
اذا طاول الغش هذه الادوية.. يرجح تسبّبها بوفيات