الأيديولوجيا والحزب

مع أن الأحزاب مضى على نشوئها حوالى قرن ونصف ودَرَسَها، مع تطوراتها، علماءُ السياسة، إلا أنها لم تلقَ من فلاسفة السياسة أقل اهتمام. هذا ما يقوله وير A. Ware فقد كانت الفلسفة السياسية تتأرجح دراستها ما بين فكرة الدولة وفكرة المواطن بصورة أساسية. لذلك، من هنا ننطلق: من ضرورة درسها، ودرس أيديولوجياتها.
الأسئلة البدئيّة، التي لا مهرب منها، هي: لماذا الأحزاب؟ ولماذا الاهتمام بدراسة الأحزاب وأيديولوجياتها؟ ولماذا وجدت الأيديولوجيات والأحزاب؟

أجيب بالإفادة العملية التالية: الأحزاب هي منظمات. هي جماعات تنظم نفسها، وفقاً لمبادئ معينة، أو لخطة سياسية معينة. فكل حزب، هو جماعة منظمة. يبدو أن الشعوب لم تعد تقبل أن يكون فيها، أفراد يستبدون بها. فقد انقضى عهد لويس الرابع عشر، وعهد السلطان عبد الحميد، وقبلهم عهد الفراعنة، وأصبح الشعب يتطلع لحكم نفسه. لكن لا يكون ذلك ممكناً، بأن ينظم الشعب جميع أفراده في مؤسسة واحدة إذ هناك القاصرون، وهناك العجزة. الممكن من الوجهة العملية، أن يُنظّم جزء من الشعب. هذا الجزء من الشعب، المنظم لغاية معينة سياسية، أو اجتماعية، أو خلافهما، يسمى بالحزب. فالحزب هو الجزء المنظم من الشعب. (وحتى من الوجهة اللغوية القاموسية، الحزب من الأمة معناه الجزء منها).

والحقيقة، أن عصرنا كله ممتلئ بالأحزاب. كل الشعوب تحكمها الأحزاب فلا توجد أمة لا تحكمها الأحزاب، أو الجماعات المنظمة، فهناك حزب المحافظين في إنكلترا، وحزب العمال. وهناك الحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري، في الولايات المتحدة الأميركية. وهناك الحزب الديمقراطي المسيحي، والحزب الاشتراكي في ألمانيا الغربية، وهناك حزب العمال، وحزب الأحرار في أستراليا، وهناك حزب روسيا الموحدة، إضافة إلى الحزب الشيوعي الذي نجده “لينينياً” في روسيا، و”ماوياً” في الصين، و”كاستروياً” في كوبا، وهكذا دواليك… إذن العصر عصر الأحزاب، هو عصر الجماعات المنظمة، وفقاً لبرامج معينة، فالشعوب كلها تقودها الأحزاب. وكل الانتصارات الشعبية الحربية والسياسية وإنجازاتها تمت عن طريق الأحزاب.

بمعنى آخر، لا يستطيع الإنسان أن يكون ابن هذا العصر، بمجرد أن يغير ثيابه، أو سيارته، أو بيته. فمثلما دخل واحدنا هذا العصر بقميصه الجميل، ولم يعد يلبس ثيابه القديمة، ودخله بسيارته ولم يعد يركب دابّة، ودخله بمنزل من “البريك” أو من الخشب، أو من الحجارة، ولم يعد يسكن خيمة، كذلك يليق بنا، أن ندخل روح العصر، بعقلنا وفكرنا، (مثلما دخلنا مادّته بأجسامنا) بأن نكون في حزب منظّم، له عقيدة لا تتناقض مع روح العصر، التي هي الروح القومية. ولذلك، وبالإضافة إلى تحقيق مصالحنا العامة، يزيننا أكثر من تغيير ثيابنا، أن نغير عقولنا، فتكون في مستوى العصر الحاضر.

ولماذا يعنينا الحزب السوري القومي الاجتماعي بالذات؟
نجيب: لأن الأحزاب نوعان. هناك أحزاب فئوية سياسية، تتعلق بفئة معينة. فحزب الطائفة فئوي، وحزب الطبقة فئوي، وحزب العنصر فئوي، هذه الأحزاب وما شابهها، لا يمكن، ولا تستطيع، أن توحّد الشعب. لماذا؟ لأن الحزب الطائفي يحرض الطائفية، فيخلق الفتنة الطائفية، والأعنف الداخلي الأهلي. كذلك الحزب العنصري، يحرك النعرات العنصرية، والحزب الطبقي، يحرك أيضاً الصراع الطبقي. هذه الأحزاب هي الأحزاب السياسية الاعتيادية. الحزب السوري القومي الاجتماعي، ليس حزباً سياسياً بالمعنى الاعتيادي، هو حزب عقيدة الأمة، فلا يرمي فقط إلى إصلاح الدولة، بل يريد أيضاً، أن يحرر الأمة مما هي عليه، من تضارب الاتجاهات والنعرات. إنه حزب سياسي ذو أساس عقائدي. إنه حزب نظرة جديدة إلى الحياة.

لماذا لم يكتف سعاده، بالمبادئ الإصلاحية للدولة، وأضاف إليها المبادئ الأساسية إضافة جوهرية؟
نجيب: لأن المبادئ الأساسية، تتعلق بنهضة الأمة. فلو كانت علّة بلادنا، هي علّة سياسية فقط، لاكتفى سعاده بإصلاح الدولة. أما وأن العلّة هي في الشعب، إذ الشعب هو المريض، وهو الذي يتقاتل ويذبح على الهوية، ويدخل الفتن الطائفية والعنصرية وغيرها. الشعب هو الممزّق، لذلك لا بد من تأسيس الشعب، قال سعاده: “الخلاص لا يُطلب في الحكومات، ولا في السياسة، والخلاص يُطلب في الشعب”. إذا صلح أمر الناس، صلحت سياستهم. “إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم” يقول القرآن الكريم. إذن المبادئ الأساسية هامة، لأن مأساتنا في أن الشعب معلول، فهو نفسه، مصاب بأمراض اجتماعية كثيرة، لا تخفى على أحد.

السابق
رئيس بلدية صيدا ومبادرة لتشغيل المستشفى التركي
التالي
طرد مشبوه في الغازية