حزب الله والأسير..بروفا للمرحلة المقبلة

استنفدَ «حزب الله» كلّ أوراقه السياسية والعسكرية، وحتى الأمنية. وقد يجوز القول إنه خسِر أيضاً معظم أوراقه الثبوتية التي كانت تدلّ على مقاومته إسرائيل، الأمر الذي يُنذر بخطورة الوضع وبعودة الساحة اللبنانية مركزاً دولياً توزّع من خلاله الرسائل على الداخل والخارج.
يَحار المواطن اللبناني في وَصف ما آلت إليه الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد خلال الفترة الأخيرة، فلم يعد باستطاعته الركون إلى رأي محدّد يَبني عليه تحليلاته للممارسات التي تحصل، أو حتى التمييز بين صحة ما يقوم به هذا الفريق وبين الخطأ الذي يقترفه الفريق الآخر، فتجده منحازاً لا إراديّاً إمّا إلى حزبه السياسي أو العسكري، وإمّا إلى طائفته بفِعل المذهب المدّون على هويّة زَيّنتها الأرزة اللبنانية.

تندلع النيران في شمال لبنان، فتمتدّ شرارتها إلى العاصمة. تُرتَكب المجازر في سوريا، فتُحمّل هذه الجهة المسؤولية للفريق الآخر، تُعلّق صورة هنا أو هناك فيندلع اشتباك يسقط ضحيته قتلى وجرحى. كل هذا والدولة عاجزة عن اتخاذ القرار. فبدلاً من أن تلجأ إلى العنف الذي كرّسه القانون لها ضد كل مَن يخّل بالأمن، تجدها تبحث عن التسويات والمخارج إرضاءً لهذا الطرف أو ذاك.

ما حصل في صيدا الأحد، ليس الأوّل من نوعه، وبالطبع لن يكون الأخير، وذلك حسب أوساط سياسية بارزة، "إذ إنها ليست المرة الأولى التي تحصل فيها إشكالات مسلحة في ظلّ عجز تام للدولة عن إمكان السيطرة على الوضع الذي قد يَنحو في اتجاه الحرب المذهبية إذا بقيَ الأمر على حاله".

وتشير الأوساط إلى أنّ "القلوب بين السنّة والشيعة "مِليانَة" ، ليس لأسباب عقائدية فحسب، إنما لأسباب سياسية، آخرها ما يحصل في سوريا، والذي ينعكس علينا بسبب المواقف التي تتخذها زعامات الطوائف اللبنانية بين مؤيّد للنظام السوري وبين داعم للثورة".

وتسأل الأوساط: "ألم يُشكل سلاح "حزب الله" وتجاوزاته المسيئة للبنانيين عموماً وللطائفة السنية خصوصاً سبباً حقيقياً لتطرّفه هذا؟ علماً أننا لسنا في وارد الدفاع عنه ولا عن حركته التي سبق أن أعترضنا عليها عندما أعلن عن اعتصامه في المدينة، وهل عرف أحد كيف تسَيّدت فجأة شخصية الأسير الساحة الصيداوية؟ وهل ما حصل أمس الاول قد يعطي الأسير حجة لتسليح جماعاته لاحتلال صيدا وإعلانها إمارة إسلامية مناوئة لـ "حزب الله" وعندها نكون قد أعطينا الحزب ما كان يتمناه؟

وتؤكد الأوساط أن "السلاح في صيدا بات في حوزة الجميع، والتسليح يتمّ تحت أعيُن الجميع، إضافة إلى أن الشاحنات التي تدخل المدينة ليلاً لتُفرغ حمولاتها معروفة، لجهة الفريق الذي يرسلها وسَبب إرسالها، وهذا الكلام ستثبته الوقائع المقبلة نتيجة "زَكزَكات" قد يعمد "حزب الله" أو حتى الأسير إلى افتعالها ضدّ كلّ من يؤيّد تيار "المستقبل" وقوى "14 آذار".

وتضيف الأوساط: "قد يستغرب البعض سكوت "حزب الله" عمّا جرى في صيدا، خصوصاً أنه لم يُصدر أيّ بيان يوضِح فيه ملابسات الحادث أو الأسباب التي أدّت إلى وقوعها، حتى أمينه العام السيد حسن نصرالله مرّ في خطابه أمس على الحادث مرور الكرام، لكن على الجميع أن يتذكّر بأنّ الحزب يتّبع سياسة الصمت بعد كل خَضّة سياسية أو أمنية يتعرّض لها لبنان. فمنذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباقي شهداء ثورة الارز، وصولاً إلى عملية اغتيال اللواء وسام الحسن، كان الحزب يكتفي بالصمت لمعرفته تماماً بأنّ كل كلمة تخرج عن لسان جماعاته ستشّكل انفجاراً يتفادى حصوله اليوم".

وتلفت الأوساط إلى أنّ "الحزب يبدو اليوم في حال استنفار غير مسبوق، بعدما وَضع نفسه في عين العاصفة إزاء التطورات السورية، واحتمال امتداد شرارتها إلى لبنان. ومن هنا، فهو يسعى إلى تأمين مناطق رئيسة يسيطر عليها من خلال أتباعه تَحَسّباً لأي طارئ، وصيدا هي إحدى أهم هذه المناطق الإستراتيجية بالنسبة إليه".

وتعتبر الأوساط، أن "السلاح الذي ظهر أثناء تشييع القتلى في صيدا يُنبئ بما ينتظر لبنان، وتحديداً هذه المدينة المعروفة الإنتماء والهوى. من هنا، فإنّ الدولة مدعوّة اليوم قبل الغد إلى اتخاذ خطوات تثبّت دورها، وقرار جريء تعلن من خلاله سحب السلاح من أيدي الجميع، وخصوصاً "حزب الله" الذي أصبح مثالاً يُحتذى به لكلّ من يريد إقامة دولته الخاصة".

وتضيف: "مع احترامنا للقتلى الذين سقطوا، لكنّ طريقة دفنهم في دوّار الكرامة تشير إلى أن جولة مقبلة بين الأسير و"حزب الله" قد تحصل في أي وقت، وما السلاح المتعدد الذي خرج من مكتب "الحزب" سوى دليل إضافي على نيته المبيتة تجاه المدينة وأهلها، أما لجهة الأسير، فهو الآخر قد وضع لحركته الأصولية مِدماكاً في وسط صيدا".

السابق
تسوية عربية كردية في سورية؟
التالي
الجنرال والدولة والمسؤولية