التاريخ يعيد نفسه


التاريخ يعيد نفسه من دون شك، والأمثلة كثيرة. ففي العام 1969، وقّع لبنان الاتفاق المعروف باسم «اتفاق القاهرة» الذي منح شرعية للسلاح الفلسطيني، والذي عارضه قسم من اللبنانيين خصوصاً حزب «الكتائب» والعميد الراحل ريمون إده، لكن قسماً كبيراً منهم ارتبط عاطفياً مع المقاومة الفلسطينية حتى انّ لبنانيين انخرطوا في القتال معها، لأنّ بندقيتها كانت موجّهة ضد العدو الإسرائيلي، ولأنها واصلت تنفيذ عمليات بطولية لاسترجاع الحقوق الفلسطينية. لكن إسرائيل واصلت اعتداءاتها فاحتلت الجنوب عام 1978 وأنشأت ما يُسمّى بالشريط الحدودي وسلّمته الى الضابط اللبناني المنشق سعد حداد. وعلى رغم صدور القرار 425 فقد رفضت إسرائيل تنفيذه، وبقي الحال على ما هو عليه حتى عام 1980.

في هذا الوقت كانت المنظمات الفلسطينية تتوسّع وتفرض على اللبنانيين أمناً ذاتياً، وتحوّلت مناطق بكاملها الى جزر أمنية يحظر على الشرعية دخولها. وترافق ذلك مع تذمّر لبناني داخل المناطق خصوصاً ضد ما كان يُسمّى الكفاح المسلح الذي تدخل في الكثير من الشؤون اللبنانية.

في عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان ودخلت بيروت التي كانت أوّل عاصمة عربية تتعرّض للإحتلال، وبدأت المفاوضات حتى أتى «اتفاق فيليب حبيب» الذي أنهى الوجود الفلسطيني المسلح.

حينها لم يقف اللبنانيون مع إسرائيل بالطبع، لكن البيئة الحاضنة اللبنانية للمقاومة الفلسطينية لم تكن هي نفسها التي حضنت المقاومة خلال حربها وعملياتها ضد العدو.

ثم نشأت المقاومة اللبنانية التي وللأسف احتكرها «حزب الله» وأقصى منظمات أساسية قامت بالعمل المقاوم قبل نشوء «الحزب».

على اية حال، ولدت المقاومة اللبنانية حالاً جماهيرية مؤيّدة لها وأيّدها كل اللبنانيين والعرب أيضاً الذين فاخروا بأعمالها البطولية والوطنية، ولما جاء عام 2000 كان التحرير قد أُنجز باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وأهدى أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله النصر الى الشعب اللبناني.

بعد ذلك، توجّه الحزب الى الأمور الداخلية، الى أن خطف جنديين إسرائيليين بحجّة إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، فردّت إسرائيل بحرب تموز 2006 الى أن أوقفها القرار 1701 الذي طلب من «حزب الله» نقل وجوده الى خارج منطقة الليطاني.

ورويداً رويداً، وجّه الحزب كل اهتمامه الى الشؤون الداخلية وتباهى بسلاحه وصواريخه، وحصلت أحداث 7 أيار وعائشة بكار وبرج أبي حيدر وطرابلس حيث ساند حزب الله الحزب العربي الديموقراطي وأخيراً أحداث صيدا.

وترافقت هذه الأحداث مع تهديدات كانت توجّه الى كل من يطالب بتسليم السلاح الى الدولة، إمّا بقطع اليد أو تحدٍّ لكل من يريد تحقيق هذا الهدف.

وبهذه الممارسات، قضى «حزب الله» على البيئة الحاضنة له وتراجعت شعبيته محلياً وعربياً، وبدل تغيير نهجه زاده سوءاً إمّا بالقمصان السود أو بالإنقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري أو بتهديد أهل الخليج من خلال إيران أو بالأدوية الفاسدة إلخ… وخلال الفترة المذكورة لم ينفّذ الحزب عملية واحدة ضد إسرائيل الأمر الذي خلق دوافع لدى قسم كبير من اللبنانيين بالمطالبة بتسليم سلاحه، وتحوّلت البيئة الحاضنة الى بيئة معادية له، وهي البيئة المناسبة التي خططت لها إسرائيل طويلاً.

السابق
بان يدعو إسرائيل وسوريا لضبط النفس.. والمعارضة تنتخب رئيسا للائتلاف
التالي
تفجير ذخائر غير صالحة في 3 قرى جنوبية