حذار تضييع الوقت: الملفات تتراكَم

لا يستطيع المسؤولون اللبنانيون أن يُخفوا حَجم قلقهم على الوضع السياسي القائم، والذي رفع منسوبه التوتر الأمني والتحشيد الطائفي والمذهبي الذي طبع كثيراً من المواقف والتوجّهات خوفاً على المصير. والأخطر من ذلك كله أنّ هذه الأجواء انعكست مزيداً من الملفات المتراكمة وفقداناً للمخارج الممكنة طالما انّ الحوار، بجَدول اعمال داخلي ومتواضِع، مؤجَّل الى حين.

احتار ديبلوماسي عتيق، فوَر دخوله مكتب احد المسؤولين اللبنانيين الكبار، من أين يبدأ الحديث!! ففي يَده ملفّ حافل بالأسئلة – العناوين التي طلب منه وزير خارجيته ان يحصل على أجوبة لبنان عليها، وهي متنوعة بين السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية، وأخرى تتصِل بعلاقات لبنان بمحيطه القريب والبعيد، عدا عن تداعيات الوضع في سوريا وايران والعالم العربي.

فوجِىء الديبلوماسي بجواب لبناني متشدد – يقارب اللغة الخشبية – على اعتماد لبنان سياسة النأي بالنفس. وعندما توغّل هذا الديبلوماسي بأسئلته عن مواقف أطراف وتصرفاتها من اهل الحكم والحكومة ومن المعارضة، توَسّع البحث في مدى تورّط بعضهم، كلّ على طريقته ووفق قدراته البشرية والمالية والعسكرية والإعلامية، ما أفضى الى جَدل واسع انتهى الى توافق على ضرورة العمل بكلّ الوسائل لتطبيق سياسة النأي بالنفس من دون مواربة أحد، والتي نادى بها "إعلان بعبدا" الصادر عن طاولة الحوار في 11 حزيران الماضي، مَخافة نقل الأزمات الخارجية او استجرارها الى الداخل اللبناني، مع ما يمكن ان تثيره تداعيات بعضها من تعزيز للانقسامات الداخلية، وعلى الأقل في ملفات ايران وسوريا والبحرين، إن لم تَنقل معها مواجهات محتملة بالوكالة عن أطرافها العرب والدوليين.

أسئلة تؤرق قصر بعبدا

على هذه الخلفيات، يقول مسؤولون: "انّ هناك جدلا داخليا في مطابخ القادة اللبنانيين، وتحديداً في قصر بعبدا، انطلاقاً من حجم المخاوف الناجمة عمّا بَلغه الانقسام الداخلي في البلاد والاصطفاف القائم بين معسكرين أسبَغ الانقسام المسيحي عليهما طابعاً وطنياً هَشاً، بدلاً من الطابع المذهبي، ولَو الى حين".

ويعترف احد المطلعين انّ الأسئلة المطروحة تكبر يوميا، "قياساً الى حجم الملفات المتراكمة من سياسية وادارية ومالية واقتصادية وامنية، والتي تستدعي حلولا تبدو بعيدة المنال. وتزيد من خطورتها المرحلة الأدقّ من تاريخ لبنان والمنطقة. والأخطر انّ فقدان المخارج والحلول لِما هو مطروح منها بات يُنذر بأوخَم العواقب.

فعندما تكبر هذه الملفات تزداد تعقيداً، ما يؤدي حتماً الى صعوبة البحث عن مخارج توافقية قابلة للتطبيق تحمي وحدة البلاد واقتصادها وأمن مواطنيها وسلامتهم". وأضاف: "من المؤسف انّ جميع مَن يعنيهم الأمر يُدركون خطورة الوضع وحجم ما يتهدد البلاد نتيجة ما بلغه الصراع الدموي في سوريا تحديداً والمنطقة عموما.

فالجميع يعترف بأنّ المنطقة تغلي على نار حروب المحاور الدولية الكبرى التي أنتجها بلوغ الربيع العربي أسوار دمشق، حيث تجري أسوأ مواجهة من نوعها بين نظام قوي يَحتكِر القوة، تحَكّمَ لقرون اربعة من الزمن بأمور الناس وشؤون البلاد ومقدراتها كاملة من جهة، وبين ثوّار منتفضين يريدون الحد الأدنى من الحرية والديموقراطية التي دخلت بلداناً لم تعرفها من قبل، كما حصل في العراق ومصر وتونس وليبيا".

ملفّات – محطات معقدة

والى ذلك، يسعى رئيس الجمهورية العامد ميشال سليمان، ومعه فريق من المستشارين وقيادات أخرى تشاطره الرأي، الى معالجة الأوضاع بأقلّ كلفة ممكنة، فأمام اهل الحكم استحقاقات كبرى محلية واقليمية ودولية، أوّلها على الصعيد المحلي ما انتجَه الوعد بسلسلة رتب ورواتب جديدة على رغم العجز المالي عن توفير مقوّماتها وحَجم ما يمكن ان تخلّفه من هزّات اقتصادية، فيما بات البحث عن قانون جديد للانتخاب على قاب قوسين او ادنى من اعتباره مستحيلاً في ظلّ الشلل الذي أصاب مجلس النواب في وقت اقتربَت فيه البلاد من دخول مدار الانتخابات بما لها من مُهَل تتحكّم بمجرياتها من دون الجزم الآن بإمكان حصولها او تأجيلها، والأمر ينسحب على الحكومة ومدى قدرتها على الصمود في مواجهة ما هو مطلوب من حكومة تُشرف على هذه الانتخابات.

وعلى الصعيد الدولي تبدو الأمور اكثر صعوبة، فالانقسام في مجلس الأمن الدولي أدّى الى تفاقم

الأزمة السورية الى الحدود القصوى تزامناً مع تداعيات الملف النووي الإيراني واحتمال مواجهة ايرانية ـ اميركية في الخليج العربي ظهرت بوادرها في المواجهة الجوية المحدودة بين الطرفين، في وقت يقف المجلس عاجزاً عن توافُق ممكن حول الملفّين. كلّ ذلك يجري في فترة انتقالية يستعدّ فيها الرئيس الأميركي، المُجددة ولايته، الى ترتيب بيته الداخلي وفريق عمله الوزاري، وكلها امور تدعو الى تأجيل البحث في الملفات الكبرى الى حين.

الى طاولة الحوار دُر

وعليه، فإنّ القراءة الموضوعية للتطورات تدعو اللبنانيين الى ترسيخ الاقتناع بأنّ أيّاً من الأطراف السياسية الداخلية المتنازعة لن يتمكن من تغيير الوضع في سوريا لا لمصلحة النظام ولا الثورة، ولا لمصلحة الملك في البحرين، ولا لمصلحة المعارضين الشيعة، ولا لمصلحة الملف النووي الإيراني او الداعين الى تدميره.

وبناء على كلّ ما تقدّم، هناك مَن يعتقد انّ التسليم بهذه الثوابت يدفع في اتجاه العودة الى طاولة الحوار والتجاوب مع دعوة رئيس الجمهورية اليها، والاقتناع بأنّ أيّ خيار آخر لن يوصِل الى حلول باتت أسيرة النزاع الدولي الكبير، وانّ البديل الممكن هو حوار داخلي متواضع الأهداف لإمرار المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة، فحذار من تضييع للوقت

السابق
رويترز: مقتل 17 جنديا تركيا في تحطم طائرة
التالي
أوباما يقبل استقالة بتريوس لتورطه بفضيحة جنسية