نتنياهو الخاسر الثاني في انتخابات أميركا

أجمعت الصحف الإسرائيلية على أن لإسرائيل ما تخشاه من نتائج الانتخابات الأميركية وفوز الرئيس باراك أوباما، وليس خصمه الجمهوري ميت رومني. بل إن «يديعوت» نشرت رسماً كاريكاتورياً يظهر رومني يُعلم زوجته برغبته بالاتصال بنتنياهو لمواساته، في إشارة إلى أن خسارة رئيس الحكومة الإسرائيلية من النتيجة أكبر من خسارة المرشح الجمهوري ذاته.
والواقع أن الأمر لم يقتصر فقط على نتنياهو وحشد من أنصاره الذين لم يخفوا تأييدهم لرومني، بل تعداه إلى الجمهور الإسرائيلي ذاته الذي صوت لرومني في استطلاع دولي. وبالرغم من أنه بقي بين الإسرائيليين في الشارع والنخبة من وقفوا ضد رومني، إلا أن هؤلاء كانوا في الغالب من خارج اليمين الذي بات يهيمن على الحلبة السياسية والشعبية الإسرائيلية.
وقد اضطر نتنياهو إلى الطلب من وزرائه عدم إصدار أي مواقف تتعلق بنتائج الانتخابات الأميركية، للحيلولة دون حدوث المزيد من التدهور في العلاقات مع الإدارة الجديدة – القديمة. وكان أعضاء في الكنيست من الليكود وحاخامات من حزب «شاس» المتطرف أعربوا عن خيبة أملهم من نتائج الانتخابات، ورأوا فيها شراً أصاب إسرائيل.
غير أن الأمور لا تقف عند هذا الحد، فالتخوف، كما نشرت «معاريف»، هو سيد الموقف في ديوان نتنياهو، ليس بسبب الخشية على العلاقات الإسرائيلية الأميركية وإنما بسبب احتمال تدخل الإدارة الأميركية في الانتخابات الإسرائيلية. وبالتأكيد هناك من يجزم بأن العلاقات مع الولايات المتحدة ستغدو موضوعاً للسجال الساخن في معركة الكنيست الانتخابية، بعدما قامر نتنياهو علناً، وراهن على حصان رومني.
وكشفت «معاريف» النقاب عن تقديرات للسفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورن، منذ أربعة شهور بأن أوباما سيصفي الحساب مع نتنياهو إذا ما أعيد انتخابه. وأشار تحديداً إلى الحساب الشخصي المفتوح مع نتنياهو جراء ما اعتبره تدخلاً فظاً من جانبه في الانتخابات الرئاسية. ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من نتنياهو قوله إنه «سواء انتقم من نتنياهو أو تصرف بعقل بارد، فإن وضعنا سيكون صعباً»، مضيفاً أن انعدام الثقة بين الرجلين سيبقى قابعاً خلف كل خطوات الإدارة الأميركية تجاه إسرائيل.
ويرى المقربون من نتنياهو أن أوباما «عديم الإحساس الداخلي الخاص تجاه إسرائيل، الذي كان لدى (الرئيس السابق جورج) بوش الإبن، و(الرئيس الأسبق بيل) كلينتون أو حتى (رونالد) ريغان. وليس لدى أوباما في نسغه الوراثي الدفء الأساسي هذا تجاه إسرائيل الذي كان يقطع أمواج المحيط» من واشنطن إلى تل أبيب.
وبحسب هؤلاء، فإن «أوباما، في ولايته الثانية في البيت الأبيض، سيكون متحرراً من الحاجة إلى أن يُنتخب من جديد، وبالتالي سيكون ملزماً أقل بالمال اليهودي. وانعدام العطف الخاص وأزمة الثقة الحادة بين الزعيمين سيخلقان تخوفاً هائلاً في إسرائيل مما سيأتي».
ويرى كثيرون أن الضواغط التي بيد أوباما كثيرة، وجميعها يستند إلى اختلاف أميركي في الرؤية مع إسرائيل، سواء تجاه التسوية السياسية في المنطقة أو تجاه التعامل مع الشأن النووي الإيراني. ويعتقد هؤلاء أن تحركات دولية كثيرة ستزعج حكومة نتنياهو قريباً ولن تجد في واشنطن «الحميمية» التي كانت تجدها في السابق. ومن المؤكد أن ذلك سيجبر نتنياهو على اتخاذ قرارات حاسمة سواء بالتراجع أو الهروب إلى الأمام في عدد منها.
وأشارت افتتاحية «هآرتس» إلى هذه المسألة أمس فكتبت أن «الخاسر الأكبر الثاني في انتخابات الرئاسة هو بنيامين نتنياهو. فقد ألمح رئيس الوزراء بوضوح، لا يفوقه وضوح، أمله بهزيمة أوباما وانتصار رومني»، لافتة إلى أنه «قد تبين أن هذا كان خطأ مزدوجاً، فهو تدخل فظ في إجراء ديموقراطي لدولة عظمى وشبه وحيدة في صداقتها لإسرائيل، ورهان على الطرف الخاسر». وبالتالي «يجب على السياسي أن يدفع ثمن أخطاء كهذه. ولما كان رئيس الوزراء قد حرص على تقديم موعد الانتخابات للكنيست، فإن واجب تقديم الحساب لنتنياهو ينتقل إلى المقترعين».
ورأت «يديعوت» أن «نتنياهو قامر ونحن سندفع الثمن». وأشارت الكاتبة سيما كدمون إلى «صباح قاسٍ مر على نتنياهو أمس. ولن يستطيع أي أدب ديبلوماسي أن يخفي أسى نتنياهو من بقاء أوباما في البيت الأبيض». ونقلت كدمون عن جهات مختلفة في إسرائيل قولها إن «من يعتقد أن تصرف نتنياهو لن يؤثر على علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل عليه أن يفكر مرة أخرى. وكل من هو خبير بهذه العلاقات، يعلم جيداً نوع الانتقام الأميركي».
وأوضحت مصادر كدمون أن الانتقام الأميركي «بخلاف الانتقام التركي، غير مندفع وغير ظاهر، بل هو يزحف بطيئاً في سلسلة متصلة من أحداث صغيرة تتراكم لتصبح أزمة كبيرة فيتم تأخير المخصصات، وإلغاء تدريبات الطيارين فجأة، وتأخير التزويد بأجزاء التخليص، وتكون محاولة لشراء شركات أميركية أو تكنولوجية لا توافق عليها السلطة الأميركية لأسباب مختلفة تتعلق بالأمن القومي في ظاهر الأمر».
وتلقى نتنياهو مساء أمس اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي. وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو، أنه خلال المكالمة أكد رئيس الحكومة لأوباما أن «فوزه هو بمثابة تصويت على الثقة بقيادته»، فضلاً عن أنه «يعتزم مواصلة التعاون معه للتصدي للتحديات التي تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل».  

السابق
الديار: عائلة الحريري سرقت بيروت وشرّعتها بالرشاوى كي تصبح قانونية
التالي
أهل المخطوفين تفكيرُهم منطقي لكن