إجتياح «8 آذاري» للإدارة

يسأل البعض عن تأثير السلاح على الحياة الوطنية، أو تأثير الاغتيالات على التوازنات السياسية، في حين أنّ المشهد يعبّر عن نفسه: إنتشار القمصان السود أدّى إلى إسقاط حكومة وتشكيل أخرى، واغتيال اللواء وسام الحسن أدّى إلى أن تكرّ سبحة التعيينات المتوقّفة منذ قيام الحكومة الميقاتية.

في حين كان يُفترض أن يشكّل اغتيال الحسن محطة تأمّل وتفكير لدى أهل الحكم بما وصلت إليه أحوال البلد والناس في ظلّ إدارتهم "الحكيمة والمسؤولة"، وتعليق كلّ الأمور الخلافية تبريداً للمناخات المحتقنة والمتشنّجة، سارعوا إلى تشغيل محرّكات الحكومة المتوقّفة منذ تشكيلها في رسالة تَحدٍّ واستفزاز عنوانها تثبيت وترسيخ وتوسيع الخلل الوطني الذي بدأ مع هذه الحكومة.

لا يمكن تفسير الوئام الحكومي المستجدّ والاتفاق على سِلَل التعيينات والاستفاقة الحكومية و"الإنتاجية" الاستثنائية في لحظة انقسامية وانشطارية وطنيّاً إلّا كونها ناتجة عن أمرين:

أوّلاً، اغتيال الحسن أدّى إلى انهيار التوازن، ولو المحدود، داخل الحكومة بين قوى 8 آذار والثلاثي الوسطي المؤلّف من الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط.

هذا الثلاثي الذي كان استفاد من الأزمة السوريّة لتحسين شروطه وموقعه، ما دفعه إلى توجيه رسالتين متناقضتين باتّجاهين مختلفين: الرسالة الأولى إلى "حزب الله" بأنّه لن يساهم تحت أيّ ظرف بإسقاط الحكومة التي يعتبرها الحزب أداة استراتيجية وخطّاً أحمر، مقابل أن يغضّ هذا الحزب نظره عن الاشتباك مع التيّار العوني تظهيراً لحالة من التنوّع، من جهة، وتحسيناً لمواقع الثلاثي داخل بيئاتهم ومع المجتمع الدولي من جهة أخرى. وهذا ما يفسّر الشلل والجمود الحكوميّين.

والرسالة الثانية باتّجاه قوى 14 آذار، وهي رسالة مثلّثة الأوجه: الشلل أو الفشل الحكومي عنوان يصلح استثماره انتخابيّاً. أن يكون "حزب الله" داخل الحكومة وعمودها الفقري يريحه سياسيّاً ويكفّ "شرّه أمنيّا"، ما يبعد الاغتيالات ومحاكاة الشارع. الحكومة هيكل من دون مضمون، والدليل عدم تمكين 8 آذار من الاستفادة انتخابيّاً عبر التعيينات والتلزيمات وما شابههما.

من الواضح أنّ عملية الاغتيال أسقطت هامش المناورة لدى الكتلة الوسطية التي كانت أمام خيارين: إمّا الخروج لحظة الاغتيال بردّ فعل فوري من تحت مظلة الحزب والحكومة، وردّ الفعل هذا لو حصل في توقيته وفي ظروف الاغتيال لكان نجح بنقل البلاد من مرحلة إلى أخرى من دون ردّ فعل معاكس.

والخيار الثاني الالتصاق بـ"حزب الله"، وهذا ما حصل واقعيّا على قاعدة أنّ من يقتل الحسن باستطاعته أن يقتل غيره، وبالتالي "عند تغيير الدول إحفظ رأسك". ومن هذا المنطلق فعل الاغتيال فعله بجعل الكتلة الوسطية تنحاز بالكامل إلى الحزب في مشهد يذكّر بلحظة تكليف ميقاتي، وتعاونُها التام معه في الحكومة أكبر دليل على ذلك.

ثانياً، إنّ عودة الاهتمام الدولي بلبنان بعد الاغتيال، كما اقتناع المجتمع الدولي بضرورة تغيير الحكومة التي تحوّلت إلى عنوان لعدم الاستقرار، دفع بـ"حزب الله" إلى إعلان الاستنفار الحكومي بغية تحقيق في أقلّ فترة زمنية ما استحال تحقيقه طوال الفترة الماضية.

فالحزب لا يحب المفاجآت، ولا يستطيع ضمان طبيعة الخطوات الدولية التي قد تصل إلى رفع الثقة عن الحكومة وغيرها، ما دفعه إلى اتّخاذ قرار استراتيجي باجتياح المواقع الإدارية المفصلية في الدولة عبر تعبئتها بأشخاص من صفوفه أو موالين له بغية تحويل خروجه من الحكومة إلى خسارة جزئية لا كلّية.

يحسب "حزب الله" كلّ الحسابات، فسقوط الحكومة بقرار دولي لا يعني نهاية الدنيا ولا المعركة، ولكنّ هذه التجربة قد لا تتكرّر، وبالتالي هي فرصة تاريخية لإمساكه بكلّ مفاصل الدولة سياسيّا وديبلوماسيّا وإداريّا وأمنيّا.

ومن هنا المسألة أكبر من محاصصة وتقاسم الجبنة، إنّها معركة وضع اليد على لبنان التي يخوضها الحزب منذ الخروج السوري في العام 2005… أمّا بالنسبة لحلفائه فهي مجرّد رشوة سياسية انتخابية ليوفّروا له الغطاء لخطف البلد نهائيّا.  

السابق
أهل المخطوفين تفكيرُهم منطقي لكن
التالي
بشير الجميّل سوري