المستقبل والمردة في خندق واحد!

يتوجّه 1208 محامين في طرابلس والشمال الأحد المقبل إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نقيب جديد لهم، وعضوين. لكن هذه النقابة العريقة التي كانت انتخاباتها أخيراً تتخذ طابعاً سياسياً حاداً، بدأت تشهد متغيّرات من شأنها أن تعيد إلى الطابع النقابي دوره
لا تشبه انتخابات نقابة محامي طرابلس هذه السنة الأجواء التي سادت الانتخابات التي شهدتها أروقة النقابة منذ عام 2005، عندما انقسم المحامون سياسياً بين فريقي 8 و14 آذار، وألغي أو كاد يُلغى وجود أي كتلة ناخبة مستقلة داخلها.
تطورات عدّة برزت في الآونة الأخيرة أعطت مؤشراً على أن «أمّ» النقابات الشمالية التي تأسست عام 1921، في طريقها إلى إلغاء الفرز السياسي الحاد الذي طبعها في السنوات الأخيرة، وأن انتخاب النقيب الـ32 لها يوم الأحد المقبل لن يستطيع أي فريق الادعاء أنه محسوب عليه، أو أن فريقه سجّل انتصاراً بمفرده على الفريق الآخر.
النقيب الجديد الذي سيكون مسيحياً هذه المرّة، التزاماً بعرف توزيع المنصب مداورة بين المسلمين والمسيحين، ترشح له ثلاثة مرشحين لخلافة النقيب الحالي بسام الداية، هم بطرس فضول وميشال خوري وعبد الله الشامي، إضافة إلى مرشحين للعضوية هما عبد العزيز عرب وسعدي قلاوون لخلافة العضوين المنتهية ولايتهما جوزف عبدو وسمير حسن.
أبرز المؤشرات على المتغيرات التي طرأت هي أن فريق 14 آذار يشهد انقسامات لافتة بين صفوفه، رغم أنه أعلن دعمه مبكراً لترشيح خوري لمنصب النقيب وقلاوون للعضوية، في اجتماع عقد في منزل النائب سمير الجسر في 12 نيسان الماضي، حسماً للخلافات ومن أجل الاستعداد بشكل أفضل للانتخابات.
فنقيب المحامين السابق رشيد درباس الذي يُعدّ أحد أبرز الناطقين باسم تيار المستقبل داخل النقابة، وكان يقود حملاته الانتخابية في كل دورة، يميل اليوم إلى مصلحة فضول المحسوب على تيار المردة وقوى 8 آذار.
موقف درباس المتعارض مع توجه حلفائه في «التيار الأزرق» لم ينبع فقط من «شبكة المصالح والعلاقات الشخصية» التي تربطه بفضول، بل لأن درباس وجد نفسه خارج دائرة الإشراف المباشر على الانتخابات، وأن هذه المهمة أوكلت إلى النائب الجسر، فأراد بموقفه هذا أن يبعث رسالة استياء إلى المسؤولين في قيادة «المستقبل» تعبر عن استيائه من استبعاده.
إلى جانب موقف درباس في دعم فضول، تقف سليمى أديب، زوجة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وعضو المكتب السياسي في تيار المستقبل محمد المراد، الذي كان حاضراً في اجتماع الجسر الذي أُعلن فيه دعم خوري، ما أثار استغراباً داخل صفوف تيار المستقبل وتساؤلات عن أسباب عدم التزامه مرجعيته السياسية.
المراد الذي يتلاقى موقفه مع موقف درباس لجهة دعمه فضول الذي تربطه به وبآخرين في تيار المردة علاقات شخصية، يضاف إليه أن المراد تلقى ما يشبه الوعد منهم بدعمه في انتخابات 2014 لمنصب النقيب، في إطار عملية تبادل أصوات ليست غريبة عن أجواء النقابة.
هذا الانقسام داخل تيار المستقبل في مقاربة انتخابات نقابة المحامين أثار ارتباكاً امتدت تداعياته إلى بقية مكونات فريق 14 آذار، بعدما تبين أن «الأعذار التي أعطيت لا تبرر تقدّم المصالح والعلاقات الشخصية على التزام القرار السياسي للتيار».
في المقلب الآخر، كان تيار المردة قد تبنى ترشيح فضول قبل نحو سنة، وهو ما سار فيه أغلب فريق 8 آذار لاحقاً، فيما كانت الكتلة المستقلة تسعى إلى ترشيح جوزف عيسى المقرب من الحزب السوري القومي الاجتماعي، والذي لم يكن فرنجية بعيداً عن تبني ترشيحه، بعدما تبين له أن فضول لن يخوض انتخابات سهلة، وأنه لن يكون مرشحاً توافقياً كما الداية.
ومن أجل وضع حد للتجاذبات بين عيسى وفضول طرح اسم النقيب السابق جورج موراني بديلاً منهما، إلا أن هذا المسعى لم يكتب له أن يستكمل، وبقي التنافس قائماً بين مرشحين محسوبين نظرياً على فريق 8 آذار.
أمام هذا الارتباك، قرر عيسى الانسحاب من الانتخابات كي لا يُحرج فرنجية، ما جعل الأوراق تختلط ودفع المرشحين والقوى الفاعلة والمؤثرة في النقابة إلى إعادة حساباتهم من جديد. هذه التطورات حفزت القوى المستقلة في النقابة التي يُعدّ النقيبان السابقان جان حرب وفادي غنطوس والمحامي محمد الجسر أبرز رموزها، على دفع الأمور كي تأخذ الانتخابات طابعاً نقابياً صرفاً، فأعلنوا دعمهم لخوري الأقرب إليهم في الحسابات النقابية، من غير أن يكتموا أنه «لو كانت الانتخابات ذات طابع سياسي لكان لهم موقف آخر لا يتعارض مع موقف فرنجية».
وزاد من تراجع حدّة التنافس السياسي في نقابة المحامين هذا العام، أن الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي تركا للمحامين المقربين منهما «الحرية في اختيار من يرونه مناسباً»، وهو الأمر ذاته الذي فعله أيضاً بعض النقباء السابقين.
على هذا الأساس تبدو انتخابات نقابة محامي طرابلس بعيدة عن أن تكون سياسية، وإلا كانت التحالفات مختلفة، ما أعطى دليلاً إضافياً على أن في النقابة خصوصية معينة ينبغي أخذها في الاعتبار.
هذه الخصوصية برزت قبل سنتين عندما انتخب الداية نقيباً بدعم من فريقي 8 و14 آذار معاً، واستطاع بشخصيته الجامعة فكفكة الاصطفافات السياسية. لكن في المقابل، نال منافسه نواف المقدم نحو 40 في المئة من أصوات المقترعين، في مؤشر دلّ على أن المستقلين ليسوا «بلوكاً» وينتمون إلى تيارات سياسية عدة، لكنهم لهم حضور قوي في النقابة.
وتأكد ثقل هذه القوة النقابية المستقلة في الانتخابات الفرعية العام الماضي، عندما أوصلت عبد القادر التريكي وأسعد موراني إلى مجلس النقابة، مطيحة كل التوقعات والترجيحات التي أطلقت حينذاك.

السابق
الأخبار: برّي يفكّ عقد هيئة النفط والوسطيون مع 14 آذار ضد السلسلة
التالي
من رئيس غير أميركي إلى رئيس أميركي جدا