التمديد لأوباما وللحرب السورية

الذين كانوا ينتظرون انتهاء انتخابات الرئاسة الأميركية ليشهدوا تغييراً دراماتيكياً في مواقف الولايات المتحدة من مشكلات الشرق الأوسط، سيصابون بخيبة أمل. ليس لأن أوباما فاز بولاية ثانية، فالمرشح الجمهوري رومني لم يكن مختلفاً معه كثيراً في مقاربة أوضاعنا، بل لأن التوجه الذي ساد السياسة الأميركية إزاء الأزمات المتفجرة عندنا سيستمر أربع سنوات إضافية تحت شعار: دعوها تهترئ بعيداً منا ليصبح تدخلنا مطلوباً من الجميع.

بكلمات أخرى، لن تغير الإدارة القديمة – الجديدة موقفها من عدم تسليح المعارضة السورية بانتظار أن يحصل ما ينتظره أيضاً الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي من إنهاك لطرفي القتال يقنعهما بالتفاوض. وحتى يحين ذلك لا أحد يعرف كم سيكون عدد القتلى والجرحى والمعتقلين والنازحين.

فالرئيس الأميركي ليس مقتنعاً بأن تغيير موازين القوى في الحرب السورية من مهمات بلاده، ويستبعد بشكل حاسم أي تدخل مباشر في هذه الأزمة، ليس فقط بسبب موقفي موسكو وبكين اللتين تتمسكان ببقاء بشار الأسد، بل لأن استراتيجيته تقوم على مبدأ الانسحاب من مناطق استنزاف لا أمل في انتصار نهائي فيها، مثلما حصل في العراق ويحصل حالياً في أفغانستان، والتركيز بدلاً من ذلك على دعم التحالفات والوجود الأميركي في مناطق واعدة اقتصادياً في جنوب شرقي آسيا، حيث المواجهة الفعلية مع الصين، العملاق الاقتصادي والمالي المضطرد النفوذ.

بل إن هناك في واشنطن من يعتقد بأن استمرار النزف السوري واحتمال امتداده إلى الجوار سيحرج روسيا والصين ويضعف موقفيهما، وقد يضطرهما قريباً إلى تعديل حساباتهما، خصوصاً في مجلس الأمن، حيث المراهنة على «تلقينهما درساً» يجعلهما تتجنبان مستقبلاً أي تفكير في عودة العالم إلى مرحلة القطبين. فيما يعتقد الروس والصينيون أن ازدياد مخاطر الحرب السورية سيجعل الأميركيين يرضخون لمطلبهم بإشراف نظام الأسد على المرحلة الانتقالية، خصوصاً أنهم يتفقون معهم على «خطر التنظيمات الإرهابية والمتطرفة».

أما بالنسبة إلى إيران، فلا بد أن طهران فرحة بالتمديد لأوباما، لأن هذا يستبعد إلى حين الخيار العسكري الذي تضغط إسرائيل لاعتماده، والذي كان المرشح الجمهوري أكثر ميلاً للقبول به. لكن أوباما سيواجه اختباراً صعباً بعدما وعد بأنه لن يسمح إطلاقاً بامتلاك إيران سلاحاً نووياً وأن سياسة العقوبات الاقتصادية هي الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك، إذ عليه أن يقنع دولاً لا تجاريه في سياسته الإيرانية بتطبيق العقوبات، وهو احتمال مستبعد حالياً، فيما يجد الإيرانيون وسائل متعددة للالتفاف على هذه العقوبات، خصوصاً عبر العراق، وحتى لبنان.

وفي مقابل استبعاد الخيار العسكري مع إيران، يسترضي أوباما إسرائيل بإطلاق يدها في الشأن الفلسطيني، بعدما أوقف تماماً أي جهد أميركي لإحياء «عملية السلام» الميتة، وغض الطرف عن الجهود الحثيثة لتهويد القدس، وقبل بمراوغة الدولة العبرية في تطبيق اتفاقات أوسلو، وحول الانتباه بدلاً من ذلك إلى «الخطر» الكامن في محاولة السلطة الفلسطينية الحصول على شبه عضوية في الأمم المتحدة.

من سوء حظ العالم العربي، أو ربما من حسن حظه، أن «الربيع» الذي أطلق موجة التغيير في ربوعه وأطاح بأنظمة تسلطية، وسيطيح بأخرى حتماً، لم ولن يلقى حماسة كبيرة في أميركا المنشغلة عنه، وسيكون عليه شق طريقه بنفسه.

السابق
السجن المؤبد لـ13 موقوفاً
التالي
تهريب الدولة إلى الدويلات