حــدس

وبعد؟
البداية لا ريبَ فيها. أنا الكائن البشريّ النفْسيّ، أشعر بها: عويلٌ صامتٌ بين الخسارة والربح، بين النبضة والنبضة. وظلّكِ الرفيق إلى أجل غامضٍ. وإطارُ حجابكِ الساكن بروعته. والنبرة! حتى النبرة تربكُ في السياق الجديد المؤدي إليكِ.
هذه هي البداية. أشعر بها: خدَر شفيف. شِبْهُ الوجع بلا داء. خسْفٌ أسفلَ هذا القلبِ المتداعي. أعني توأم الخوف مع فارق حرفٍ نجهله معا. (خسْف/ خوف: جناسٌ غير مكتمل). أدفع معكِ اللغة الوليدة وئيدا إلى الأعلى، بمفاتيح الألفاظ التي تشق الحوارَ كتفاحة ناضجة بالخوف، بتوتر اليد التي تتحسّسُ شكل الكلام قبل هدره على ورق طائف. لا بل قبل المعاني المتساقطة تباعا كرذاذ طائش ينكش الهواء.

أنتِ.
شرفتُكِ شاهقة وبيتك أرضيّ. تشرفين منها بغرابة على دواخل المارة. تحيطين بها حوادث القلوب. الشجرُ حولك في الحيّ، ليس، كما يُراد له، وادعا. والحمام الأبيض المتكاسلُ آخرُ ما يشغل بالكِ المأسور. هذه أنتِ. سرّك في مجاز الشرفة. سرّك في طقس الكتابة المخيّم منذ الصباح.
لا أنتظركِ، شأنَ المنتظرين، بوردة خرقاء في الشارع الشهير. بل أواعدك وجها لوجه في مقهى كئيب وأفتح لك بابا شريدا إلى قول المباح عني، بلغةٍ تفتقر أدنى مقومات البقاء والخلود. أُبيحُكِ معجمَ التلاشي. معجم التفاصيل الدوّارة بيننا، منذ البداية.
وعَودٌ على بدء، إنها البداية. آنسُ باسمكِ الشائك والمعتصم بمعناه. لا أناديك بسواهُ عكس المألوف من كنيات الأسماء واختصاراتها عند النساء. ولا أنشره على ملأ من الناس كي لا تشتّ الوجوه بأسمائها. هذا اسمك الخريفيّ، نفرشه سويا في المساء على الشرفة ثم نهجّيه نبرة نبرة، نفَسا نفَسا، ونُخلدُ به غفلة الليل بأحلام حافلة وجباه رطبة.

أعرف امرأةً لا تضمر شرا لأحد ما خلا نفسها. تختصر المساء بشرفتها. لا تأبه لشرفات البيوت المكتظة حولها. أعرفها بالحدس. (حدث حدس: جناس غير مكتمل). حدسٌ ينبش مواضي النساء بحاضرهنّ المرير. الصورةُ والصوتُ وخروجٌ واضحٌ عن مألوف الكلام المبتذل وعواطف الجدران الزرقاء وسطوح الغزل المزبد. أعرف هذه المرأة بالذات. وأحرص عليها حرصي على مجاهل ما تفكّر به.
نصفُ ابتسامتها الرتيبة،
ونصف تجهّمها الجميل.

السابق
“الرياح الجنبلاطيّة” تهبّ عكس “شهيّة 14 آذار”
التالي
لقطات لأسرع الموظفين في العالم