الإنتخابات مستهدفة

رسمت المرجعيات الدوليّة حدود المرحلة: الاستقرار، والتغيير الحكومي في إطار التوافق.

وما أدلى به الرئيس فؤاد السنيورة بُعيد زيارته بكركي لم يأتِ بجديد، هناك إصرار على استقالة الحكومة، وبعدها الحوار، مقابل إصرار على أنّ الاستقالة قبل التوافق على البديل، يعني الفراغ، والفراغ يعني احتمال الفوضى.

إستمرار المعارضة على مواقفها يطرح علامات استفهام: هل تأخّرت كلمة السر السعودية في تبليغ تيار «المستقبل»، وسائر قوى «14 آذار» بالعودة الى طاولة الحوار؟ أم أنّ الرئيس الفرنسي أخفق في إقناع المملكة بجدوى الحوار للتفاهم على التغيير الحكومي؟ طلب المسؤول الأميركي وليام بيرنز من وليد جنبلاط المساعدة، وكان الجواب نحن مع التغيير لكن في إطار التفاهم، ولسنا مع الانقلاب.

اللافت أنّ أحداً من الزوّار الدوليّين، وحتى العرب، لم يتحدّث عن قانون الانتخاب، والاستحقاق الانتخابي، حتى قوى المعارضة رفعت التغيير الحكومي الى مرتبة الأولوية، ولاذت بصمت مشبوه حول حقيقة موقفها من ورش العمل التي كانت ناشطة في مجلس النواب ومن خلال نشاطات اللجان النيابيّة.

قطعاً لم تدخل الانتخابات دائرة الخطر بعد، إنّها لا تزال تحت شبهة الالتباس، لكن هناك أكثر من سبب يبرّر القلق حول مصيرها، فالساحة مفتوحة أمام شتّى أنواع المفاجآت القادرة على خطف المشهد السياسي برُمّته، والوضع السوري يزداد عنفاً وقلقاً حول المستقبل والمصير، وغالبية القوى السياسيّة لا تزال متورّطة، وترفض كسر النمطيّة التي كانت مُتّبعة منذ عقود من الزمن وعلى قاعدة أنّ لبنان هو الحديقة الخلفيّة لتنفيس الاحتقانات السورية، وتسديد الفواتير المستحقّة إقليميّا ودوليّا.

في ظلّ هذا المناخ، يعيش مجلس المطارنة الموارنة في دوّامة القلق، قالت بكركي كلمتها بصوت جهوري مرتفع «لا لقانون 1960»، واغتيل على الأثر اللواء وسام الحسن، وتعطّلت لغة الكلام في اللجان النيابيّة حول القانون الجديد، وهناك خشيّة من أن تستمرّ قوى «14 آذار» على مواقفها المعلنة، إن لم يرشح ما يعدّل من حدّتها كثمرة متوقّعة من المحادثات الفرنسيّة – السعوديّة.

إنّ لبنان راهناً أسير معادلتين مكلفتين: هناك من ينشد التغيير وفق طاولة الحوار، وهذه لم تأتِ بالحلول السحريّة لأنّ المواضيع المتراكمة فوقها يطغى عليها الطابع اللبناني من حيث الشكل والهندام، فيما جوهرها خارجي، ويخضع للمؤثرات الإقليميّة – الدوليّة.

وهناك من ينشد التغيير في الشارع بعدما سئم اللغة المتداولة حول طاولة الحوار، لكنّ الشارع تحوّل فجأة الى خطّ أحمر إقليمي – دولي، لأنّ الخارج يدرك جيّداً بأنّ الشارع سيستنهض شارعاً مضاداً، ويؤدّي الى فتنة. فاقتتال مذهبي وطائفي لا يمكن أن يهدأ إلّا بعد إحداث تغيير جوهري في ديموغرافية لبنان، وتوازنه السياسي – الاجتماعي، وتعريض كيانه للتفتيت، وسلمه الأهلي إلى الانتحار.

والمشكلة أنّ عنصر التوازن يتراجع مفعوله، وحتى الوسطيّة لم تتمكّن من اقتحام المربّعات المقفلة في وجه الدولة وسلطتها، فيما «التهييج» المستمرّ يوسّع من دائرة التسيّب والفلتان، ويوفّر البيئة الملائمة أمام البعض لتحقيق التوازن المطلوب، وعلى قاعدة سلاح مقابل سلاح، وسلاح سنّي مقابل سلاح شيعي، وسلاح أصولي مقابل سلاح «حزب الله»، ومناطق مقفلة مقابل مناطق مقفلة، وهذا ما يوفر حوافز للقوى التي تتربّص شرّاً بلبنان من أن تفعل فعلتها في الزمان والمكان الذي تختاره لتفجير الوضع، أو تأزيم الأمور أكثر فأكثر على أبواب الانتخابات.

إنّ وضعاً معقّداً على هذا النحو، يتطلب رافعة خارجية موثوقة وقادرة على الإمساك بزمام الأمور.

ويصحّ الكلام هنا عن بواكير مرجعية فرنسيّة – سعوديّة، ولكن هذا لا يكفي لفرض الأمن والاستقرار، والتعاطي مع الاستحقاقات بإيجابيّة ومسؤوليّة وطنيّة في ساحة يحسب لها ألف حساب حيث للسوري رصيد، وأيضا للتركي، والإيراني، والسعودي، والقطري، فضلاً عن الأميركي، والفرنسي والروسي والاتّحاد الأوروبّي.

إنّ عباءةً على هذه الوساعة لا تحوكها صنّارة واحدة لتأمين الحماية لهذا الوطن «المعجوق بتطاحنه الطائفيّ والمذهبي والسياسي والفئوي»، ولا بدّ من تعاون واضح ومتفاهَم عليه بين مجموع هذا الكوكتيل من الدول الشقيقة والصديقة، لحماية المواقف والشعارات التي تنادى بها تجاه لبنان، خصوصاً وأنّ الأشهر الستة الأولى من العام 2013 مليئة بشتّى أنواع المفاجآت والتحوّلات، ولا بدّ من مسار إنقاذي موثوق لحماية ما تبقّى لنا من ثقافة ديموقراطيّة هشّة عنوانها الأساسي صندوقة الاقتراع. فمن يحمي هذا الموعد، وهذه الصندوقة، وهذا الاستحقاق في أيّار المقبل؟

السابق
تشديد مصري على لبنانية الحل.. ولقاء عمرو وقيادة حزب الله؟
التالي
حشود أمام البيت الأبيض احتفالاً بفوز أوباما