واشنطن.. دمشق

قارئان سياسيان مخطئان، وإن زاد خطأ أحدهما على الآخر.
الأول يفترض ان الإدارة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية ستتجه، في حال إعادة انتخاب باراك أوباما، إلى الإسراع في حسم موقفها من الوضع السوري من خلال خطوات عملية مباشرة. والثاني يفترض ان الوضع الأميركي والدولي لا يتحمل خضّات المواقف الكبرى، خصوصاً وان الهمّ الطاغي على العالم في الإجمال، هو الهمّ النووي الإيراني أكثر من الهمّ السوري، وبالتالي فإن شيئاً دراماتيكياً لن يحصل، حتى لو تغيّر ساكن البيت الأبيض.
القراءة الثانية خاطئة أكثر من الأولى. رغم ان "الخطأ" في الحالتين نسبي وليس تاماً: واشنطن ليست في صدد "الخطوات المباشرة"، لكنها أيضاً ليست في صدد المراوحة في مكانها ورؤية النار السورية تتمدد إلى المحيط المجاور مع ما قد يعنيه ذلك من تأثيرات قد تكون غير قابلة للاحتواء السريع.
والواضح من الحركة العلنية، ان الإدارة الأميركية بغضّ النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية تقدّم إشارات بارزة إلى نيّتها تفعيل إنخراطها الايجابي في الحدث السوري في أكثر من اتجاه. أول ذلك تشجيعها على توسيع الكادر القيادي للمعارضة السورية، والدفع باتجاه إنتاجها برنامجاً يضمن وحدتها الفعلية في مواجهة آلة النظام. كما يضمن قدرتها على استيعاب وتلقف أي مدد إضافي لها، وعدم تفلّته أو تسرّبه إلى جهات غير منضوية في أطرها "الرسمية".
بعد الانتخابات بقليل، ستتحول الإشارات إلى إجراءات ملموسة. وهذا ما يدلّ اليه الوضع التحرّك المعلن، ان كان من خلال تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إزاء المعارضة ومؤتمرها المرتقب في الدوحة. أو من فحوى المناظرة الثالثة والأخيرة التي جرت بين أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني.. لا خلاف على "القرار" بالضرورة الحاسمة لتنحي الأسد. ولا حتى على شكل مقاربة الوضع السوري في الإجمال: التدخل الميداني المباشر غير وارد إلاّ جزئياً وفي حالات محدّدة ذات طابع استراتيجي، مثل مصير الأسلحة الكيماوية والترسانة الصاروخية السورية بعد سقوط النظام أو حتى قبل ذلك.. لكن التدخل بأشكال أخرى سيكون على ما يبدو، أكثر فاعلية وتأثيراً.
في كل الحالات، تُظهر واشنطن حسماً في قناعتها بأن سلطة الأسد انتهت، لكنها لا تبدو قادرة على تحديد موعد ذلك، وان كانت قادرة على "توقّع" نتائج كبيرة من آلية تكثيف الضغوط الميدانية الداخلية، والسياسية والديبلوماسية الإقليمية والدولية.
مؤتمر الدوحة بهذا المعنى محطة مركزية كبيرة، وقد تكون فاصلة بين مرحلتين: إذا تمكنت القوى السورية المعارضة من تجاوز تمايزاتها وأنتجت جسماً موحداً في التنظيم والسياسة والميدان، والأرجح انها ستفعل، فإن ذلك سيعني البدء الفعلي لمرحلة سقوط النظام، بعد أن شبع العالم من مرحلة التفرّج عليه وعلى جرائمه وأخطاره.

السابق
يسرا تردّ على السلفيين: انا بقدم فن
التالي
أهالي اللبنانيين المخطوفين في سوريا يعتصمون على مدخل اليونيفيل التركية في الشعيتية