الجماعة الإسلاميّة وحزب الله: شعرة معاوية

للمرة الأولى منذ بدء اجتماعات قوى 14 آذار، في ما يسمى «بيت الوسط»، حضرت الجماعة الاسلاميّة رسميّاً، بعدما لمست «خطورة الأزمة». أما خارج «البيت» فللجماعة حساباتها المستقلة. تحاور حزب الله في أشد المواضيع حساسية (سوريا)، ودعوتها إلى تغيير الحكومة، لا تعني بالضرورة «تغيير ميقاتي»

وأخيراً الجماعة الإسلاميّة في رحاب «بيت الوسط»، للمرة الأولى تحضر في اجتماع «رسمي» لقوى 14 آذار. للمرة الاولى يكون في البيت ضيف اسلامي. اسلامه واضح المعالم وضوح مسيحيّة القوات اللبنانيّة والكتائب. جمع البيت «النقيضين» الثقافيين. لا يخفى على أحد أن مواقف الجماعة كانت تتقاطع مع هذه القوى دائماً خلال السنوات الأخيرة المنصرمة. ولا يخفى على أحد أيضاً، أن الأحداث في سوريا، ضاعفت هذا التقاطع في السياسة، لا في الثقافة ولا في الأدبيّات. للجماعة أدبيّاتها الخالصة. لم تعرّف عن نفسها يوماً أنها جزء من 14 آذار. مستقلة سلوكاً وخطاباً. ولم تندفع على منبر، أو في شارع، غير أنها، للمرة الأولى، قبلت الدعوة.
تقرأ الجماعة الأحداث بدقة. 14 آذار في أزمة. متفقٌ عليه. الارتباك واضح. بعد كل شيء، لا يختلف اثنان على «انزلاق» 14 آذار. الشامتون والحريصون والتحريضيّون. الجميع متفق على أزمة «نصف البلد». احصاءات غير رقميّة على الطريقة اللبنانيّة لكن متعارف عليها. النصف الآخر ثابت نظريّاً. لا انشقاقات فيه. لا منسحبون. لا حردانون. لا هاربون. لهذا السبب، لا لغيره، «قدّرت الجماعة أن المشاركة في الاجتماع ضروريّة». التخبط بلغ مبلغاً كبيراً. ووفقاً لرئيس المكتب السياسي في الجماعة، عزام الأيوبي، فإن العنوان الموحد الآن، هو «حكومة انقاذ وطني» على الأرض، إنها أولويّة الجماعة لا أولوية الأفراد، إذ يعترف الأيوبي بأن «الشارع مشحون مذهبيّاً». للمناسبة، «السلفيّة حالة غير ناضجة سياسيّاً». والجماعة لن تغير دعواتها وتسلّح الناس، رغم ما كسبته من «مدد» معنوي في أعقاب الربيع العربي. ولكن، في هذا تباين أيضاً بين الجماعة وشركاء الضرورة. والقول إنهم شركاء الضرورة ليس مبالغاً فيه. لم ترغب الجماعة باقتحام السرايا الحكومية. ولم تشارك فيه «قطعاً». يقولها الأيوبي بلهجة واثقة تضمر استهجاناً للفعل المقصود أكثر ما تدلّ على نفي شخصي. لا لأن السرايا تمثل «السُنة» رمزياً، بل لأن «هذه ليست أساليبنا». الجماعة دعاة حوار. يستدرك الأيوبي: «هذا ليس ضدّ شخص الرئيس ميقاتي». أكثر من ذلك، لا تمانع الجماعة أبداً في أن تكون هناك «حكومة وطنيّة جديدة يرأسها ميقاتي أيضاً». ليست هناك «مصلحة» في خصومة ميقاتي. المهم أن تضمّ «جميع الأطراف» وتكون «مخرجاً للأزمة الحاليّة». العلاقة مع ميقاتي «طبيعيّة». لا يجد الأيوبي وصفاً على مقاس العلاقة أكثر من هذا. ولكن بشكلٍ أو بآخر، حسابات الاسلاميّين المعتدلين أقرب إلى جماعة ثورة الأرز. فالفريق الآخر لا يشعر بأنه في «ورطة» اطلاقاً. ولا يشعر بأن هناك حاجة لتغيير الحكومة. بل على العكس تماماً. الرئيس ميقاتي يحظى بالدعم الدولي المناسب، وحزب الله يرتكز على دعوة رئيس الجمهوريّة، «الوسطيّة» جداً، إلى طاولة الحوار.
الحوار ثم الحوار ثم الحوار. لا يساجل الأيوبي في ذلك. الانقسام عمودي ويجب اختراقه بالحوار. التبانة والجبل بحاجة إلى حوار. الصراع ليس بين سنة وعلويين، لا يروق الجماعة تصوير الأمر على هذا النحو. «هناك مجموعات مسلحة في جبل محسن لا تريد الحوار». وفي طرابلس؟ «الأمر نفسه»، لا ينفي الأيوبي. الجماعة ضدّ السلاح في الداخل. وإذا حضرت الجماعة تزامناً مع سيرة الحوار، صار حزب الله ثالثهما، في المشهد اللبناني. تجربة الفريقين في الحوار لامعة لبنانيّاً، و«حتى هذه اللحظة الحوار قائم». لا يفشي الأيوبي سرّاً عندما يقول إن «مساحات الالتقاء» بين الحزب والجماعة تقلصت أخيراً. العنوان الأبرز الذي يلتقي فيه الطرفان هو مقاومة العدو الإسرائيلي. وللجماعة قوات الفجر المرابضة على الحدود، والتي التزمت «بنقل سلاحها إلى شمالي نهر الليطاني التزاماً بالقرار 1701». التنسيق قائم مع حزب الله، إلا أن «هذا الموضوع أقل حضوراً في المشهد السياسي الحالي من المواضيع الأخرى». هذا الموضوع لم يحيَّد وغير قابل للتحييد. لكن، «واقعيّة الجماعة تقول إن الأكثر حضوراً هو الموضوع السوري». وهذا ليس سرّاً. والجماعة الإسلاميّة، تتابع حوارها مع الحزب حتى في هذا الموضوع، رغم ما تبلغته من الحزب. على ذمة الأيوبي، «الحزب قام بمحاولات حثيثة بالاشتراك مع حركة حماس في بدايات الانتفاضة السوريّة، لاقناع الرئيس الأسد بالابتعاد عن الحلول الأمنيّة، والانصات إلى الشعب السوري». ولكن، لاحقاً، وجد الحزب نفسه «محرجاً» امام الجماعة، لأن النظام السوري «تراجع» عن وعود كثيرة قطعها. يضيف الأيوبي: «الحزب أبلغ الجماعة أنه صُدم بعدم تجاوب النظام السوري مع محاولات الوساطة التي قام بها، بالاشتراك مع حركة حماس». استمرار الحوار بين الحزب والجماعة لا يعني التلاقي في الآراء، ولا يفرض ثقة بين الفريقين في أقصى تجلياتها. ولكن، وبوضوح تام أيضاً، «شعرة معاوية» لم تنقطع بعد. ورغم الاختلاف في مقاربة المواضيع الداخليّة، المتفرعة في الأساس من الخلاف المحوري في سوريا، فإن اللقاءات مستمرة، حتى وإن حضرت الجماعة إلى منزل الحريري، واتهم بعض الضيوف الحزب بالتورط في الجريمة.
لا يوافق الأيوبي على هذا الاتهام، من دون أن ينفي أن «النظام السوري هو المتهم الأول باغتيال الحسن». لقد رفعت الأعلام السوريّة، برأيه، في ساحة الشهداء، للدلالة على أن النظام السوري هو القاتل. يتفهم غضب بعض المشاركين من هذه الأعلام، موافقاً على أن الاستغناء عنها كان ممكناً، فمواقف الجميع واضحة. وفي الأساس، الحكومة التي يرغب بها الفريق الذي ينتمي إليه، «يفترض أن تنأى بنفسها نأياً كاملاً». ويغمز هنا من قناة حزب الله. الحزب، برأي الجماعة، مطالب بمزيد من التوضيحات عما يحدث في القصير. الجماعة تتفهم «تداخل القرى» وما جاء في حديث السيد حسن نصرالله الأخير. لكنها، في الوقت عينه، تتفهم عدم فهم السوريين للموضوع. بكلمات أخرى، تطالب الحزب بالمزيد من التوضيحات، على «عدم القتال في سوريا». لقد أوضح الحزب ولا يمكنه أن يوضح أكثر. وفي أية حال، الاختلاف في الرأي لم يفسد ــ حتى الآن ــ في الحوار قضية.

السابق
تراجع صورة تركيا في الشرق الأوسط في ظل الازمة السورية
التالي
برونكو باما ورومني أبكيا طفلة