كيف تحوَّلت الديموقراطية من كفر إلى حلال

كيف أصبحت الديموقراطية "حلالاً" في الشرق الوسط العربي؟
هذا كان العنوان الذي اختاره الباحث الأمريكي رؤول غريشت لمقالة نشرتها "نيويورك تايمز" في 6-2 2011.
المقالة هامة، لأن صاحبها هام. إذ هو أحد أبرز خبراء الخدمة السرية في وكالة الاستخبارات الأمريكية (السي. أي آي) حول الشرق الأوسط. وهو موقع خوّله لعب دور سياسي كبير من وراء الكواليس، في منطقة عربية "كانت" تحكمها أجهزة الأمن علناً ومن "أمام" الكواليس، بتصفيق حماسي من "السي. أي .آي".
المقالة تدل على ثقافة واسعة لصاحبها. فهو يعود بنا إلى القرون الوسطى الإسلامية ليُفنّد الادعاء بأن الاقطاع العسكري هو الذي منع تطور الحكومات الدستورية، قائلاً أن ذلك ليس حجة مقنعة لا للتاريخ ولا للعصر الحاضر.
لماذا؟
لأن هذا برأيه، كما برأي إدوارد سعيد وصحبه من خصوم الاستشراق، تُسقط عن المجتمعات العربية والإسلامية سمة التطوّر والتغيّر، وتسجنها في معتقل تاريخ أبدي يعيد انتاج نفسه إلى مالانهاية.
الحقيقة هي أن هذه المجتمعات تتغيّر. وهي فعلت ذلك خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حين بدأت فكرة الديموقراطية تتحرر من التُهم التي ألصقها بها الثوريون العرب القوميون واليساريون والإسلاميون على حد سواء بكونها خدعة أو أداة لإدامة الهيمنة الغربية، أو سلعة غير ضرورية لأنها تبطيء مسيرة نهضة الأمة وتوّحدها وتحررها.
ماحدث خلال هذه العقود أن الشعوب العربية، اكتشفت أن من خُدِعَ بالفعل كانت هي، حين قامت النخب "الثورية" أو الملكية الحاكمة بإحلال الأتوتوقراطية مكان الديموقراطية، والسلب والنهب مكان التنمية، وحين بنت زنازين السجون بدل زرع زهور الحرية. وهذا ما أعاد الاعتبار كاملاً لفكرة الديمقراطية.

رؤول غريشت لم يُشر إلى كل هذه التطورات في المجتمعات العربية، واكتفى بالإشارة إلى محصلاتها: الانتصار غير المرئي لفكرة الديموقراطية. وهذا (وهنا جوهر مقالته) شمل حتى جماعة الأخوان المسلمين التي وجدت نفسها هي الأخرى وجهاً لوجه أمام موجة شبابية واسعة النطاق تُعطي الأولوية لا للإديولوجيا الدينية بل للحرية السياسية. وهذا ما دفعها (الجماعة) قبل ثلاث سنوات إلى وضع أول برنامج سياسي لها في تاريخها، يتحدث عن التزامها العمل الديموقراطي والدستوري. وهكذا أصبحت الديموقراطية "حلالاً".

فكرة جميلة، أليس كذلك؟
أجل. وخطيرة أيضا، لأنها تعني أن الغرب استفاق على الحقيقة بأن الشرق العربي قد استيقظ مجدداً على أنغام الحرية، وأن التحالف المُشين بين الغرب الديموقراطي والشرق الاستبدادي الذي دام نيفاً و70 عاما يجب أن ينتهي وبسرعة.
أجل أيضا. الشعوب العربية تريد أن تكون جزءاً من النظام الاقتصادي والسياسي العالمي. لكنها تبغي ان تفعل ذلك ليس وهي مقيّدة بسلاسل العبودية والاستبداد والإرهاب، بل بقواعد سيادة القانون، والحريات السياسية والمدنية، والتداول السلمي للسلطة. فهل هذا "كفر"، كما تقول الآن المؤسسة الدينية في السعودية، أو المؤسسة الأمنية في الإمارات والبحرين والأردن والكويت، أو الأصولية العسكرية (العلوية) في سورية؟
الكرة الآن في ملعب الغرب، الذي يتعيّن عليه أن يعيد النظر كلياً الأن بممارساته اللاأخلاقية مع الشرق، والتي كانت السبب الرئيس وراء خلق وحوش التطرف الأصولي سواء منه المُتدثّر بالدين أو الملتحف عباءة السلطة، والتي حوّلت المنطقة برمتها إلى مايشبه مدينة دمرتها "عاصفة كاملة" لم تُبقِ ولم تذر.
وإذا ما فعل، فهذا سيكون إزهاقا لـ"حرام" دام أمده، وإحقاقاً لـ "حلال" استحّق منذ وقت طويل.

السابق
محفوض:للكف عن تناول شؤون 14 آذار في الاعلام
التالي
جنبلاط استنكر التفجير في مدينة الاسكندرونة التركية