من طبائع الالتباس الى تحديات الوضوح


كل دارس للعلوم السياسية يعرف ان كلمة أزمة بلغتها الأصلية القديمة تعني خطراً وفرصة معاً. لكن كل قارئ في المشهد السياسي اللبناني يرى تغليب الخطر على الفرصة في التعامل مع الأزمة الحالية. فما كان ممكناً في مراحل عدّة من الأزمات صار أقرب الى المستحيل: اعادة خلط الأوراق لايجاد مخرج من المأزق حين يكتمل. وما كان رماديا صار ورقة مكمّلة للصراع بين الأسود والأبيض، حيث الاصطفاف كامل بين قوى ٨ و١٤ آذار، والوسطية خارج الوسط، والبقية من النخب والجمهور المحايد الباحث عن الجمهورية خارج التأثير في الوضع.
والسؤال هو: هل أصبح الاندفاع في سياسة تكسير الأواني قدراً لا يرد؟ ما الذي ينتظر لبنان واللبنانيين في الامتحان العملي لرهان فريق على التحكم بالمأزق ورهان فريق آخر على الخروج منه، وهما يعرفان انه جزء من مأزق اقليمي ودولي كبير؟ وما هي الصورة التي تستقر عليها المنطقة في معركة جيوسياسية تدار بالمصالح الاستراتيجية الكبيرة وتدور بالعصبيات والأسلحة؟

الملموس ان لبنان تجاوز، أكثر من أي وقت سابق، الخط الفاصل بين سياسة الالتباس وسياسة الوضوح. الأولى ساهمت في القدرة على تدوير الزوايا الحادة وابتكار التسويات الممكنة للأزمات الدورية بين القوى المختلفة على أمور كثيرة والمتفقة على حراسة الأزمة البنيوية في النظام. والثانية تجعل التحديات مصيرية بحيث تقود إما الى الانفجار وإما الى شل البلد. والمفارقة ان الوصول الى سياسة الوضوح جاء في توقيت حرج وغير ملائم للمجتمع الدولي الذي يلجأ الى سياسة الالتباس. فهو قال كلمته بغموض مقصود، وترك للقوى المختلفة أن تجتهد في قراءتها حسب الأهواء. وهو في العلن حريص على الاستقرار لا على الحكومة، وخائف من الفراغ لا من البحث عن حكومة جديدة. لكنه في الهمس يطلب ألا نفعل أي شيء حتى اشعار آخر.
واللعبة مفتوحة بمقدار ما تبدو مضبوطة. قوى ١٤ آذار تحدد المخاطر على لبنان وتطلب رأس الحكومة لتأليف حكومة انقاذ حيادية وتقول: لن نسكت ولن نخاف. وقوى ٨ آذار ترى طبعة مختلفة للمخاطر وتصر على بقاء الحكومة وتقول عملياً: لن نرد ولن نتزحزح عن الموقع والموقف. لكن الطرفين، ومعهما البلد، في المأزق، بصرف النظر عن الواقع والخيال في قلق البعض واطمئنان البعض الآخر. واذا كان الخروج منه صعباً فإن البقاء فيه أصعب. وثمن الخروج سياسي، في حين ان ثمن البقاء وطني وسياسي وأمني واقتصادي واجتماعي.
وليس من المعقول، مهما تكن الحسابات، أن يبقى البلد تحت سيف الاغتيالات.

السابق
6 ايام فاصلة
التالي
المنطقة ساحة الصراع