ثلاثة مواقف تُبقي تفهّم أميركا لميقاتي!

لم يشعر فريق 14 آذار بالارتياح لموقف الدول الكبرى غداة استشهاد اللواء وسام الحسن. إذ اعتبره معارضاً لدعوته رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الاستقالة، وخصوصاً بعدما اعطى المحافظة على الاستقرار في البلاد اولوية على الموضوع الحكومي. طبعاً حصلت اتصالات ومشاورات بعد ذلك بين بيروت وباريس وواشنطن وأعضاء في الفريق المذكور، أعطى بعدها هؤلاء انطباعاً ان أميركا وأوروبا عدلتا موقفهما إذ أصبحتا أكثر ايجابية حيال التغيير الحكومي. لكن المواقف الرسمية اللاحقة التي صدرت في واشنطن وعواصم أخرى لم تعزز هذا الانطباع، رغم ان اصحابها حرصوا على تأكيد عدم دعمهم للحكومة، وعلى التشديد ان الأهمية القصوى عندهم يجب أن تكون للمحافظة على الاستقرار. إزاء هذا اللغط والفهم المُختلِف عمداً لموقف اميركا من دعوة 14 آذار الى استقالة الحكومة طوعاً أو اسقاطها، شرح مصدر ديبلوماسي اميركي، لـ"النهار" امس عناصر موقف ادارة بلاده حيال الازمة التي يشهدها لبنان منذ استشهاد الحسن. والتدقيق فيها يشير الى ادانة الاغتيال، والى استمرار عدم دعم حكومة ميقاتي، والى ضرورة قيام حكومة تكون نتيجة مسار جديد من التوافق الوطني. لكنه يشير في الوقت نفسه الى ان المواقف المتنوعة لقادة 14 آذار قبل يومين لا تتوافق كثيراً مع الموقف الاميركي. ويظهر ذلك في وضوح من الآتي:

1 – اعتبر المصدر الأميركي ان ميقاتي لم يخضع لما يرفضه الأسد وهو تمويل "المحكمة الخاصة بلبنان" والنأي بالنفس عما يجري في سوريا، والتصويت على تعليق عضوية سوريا في المؤتمر الاسلامي. ويتنافى ذلك مع ما يقوله أخصامه عن خضوعه التام للأسد ولـ"حزب الله" وايران.
2 – قال المصدر الاميركي ان ادارته حرصت على أن لا يتسبب الاغتيال بفراغ قد يؤدي الى الأسوأ، وأشار الى ان ذلك أقلقها كما أقلق الدول الكبرى.
3 – اعترف المصدر الأميركي ان 14 آذار لم يشعر بالارتياح لتكيُّف اميركا مع حكومة يؤثّر عليها "حزب الله". واعترف بأن إدارته تتفهم مطالبته باسقاط الحكومة التي اثارها مرتين مع ممثلها جيفري فيلتمان الذي دعاه بعدهما الى الاشتراك في الحوار برعاية رئيس الجمهورية.
4 – أكد المصدر الاميركي ان بلاده ليست مع بقاء حكومة ميقاتي، لكنها قلقة من امكان فراغ سياسي قد يؤدي الى وضع أسوأ من الحالي، وخصوصاً اذا لم يكن هناك اتفاق (مسبق) على بديل منها. واعتبر ان حكومة تصريف أعمال لمدة طويلة أمر لا تحبذه أميركا. وأكد دعم ادارته مشاورات الرئيس ميشال سليمان لبلورة مسار توافقي. وبرّر ذلك كله بقلق واشنطن من امتداد الصراع السوري الى لبنان.

يشير "التدقيق" في الموقف الاميركي من الأزمة الجديدة في لبنان الى وجود تباين مهم في اسلوب العمل لحلها بين اميركا و14 آذار وان تكن وحدة الأهداف بينهما لا تزال على حالها.
هل يعني ذلك ان على الرئيس ميقاتي ان يطمئن في صورة نهائية، وان لا يُلقي بالاً الى الغضب الشعبي لـ14 آذار رغم اخطاء قياداته؟

كلا. فالتفهّم الاميركي وربما الأوروبي له وليس الدعم نتج من خروجه على سياسة داخلية وخارجية اراد "حزب الله" وسوريا الأسد من حكومته تنفيذها. وما كان ذلك ممكناً لولا انهاك الثورة لها الذي اضطر "الحزب" الى الهدوء والتروي لمعرفة مصير الثورة او النظام السوريين، ونهاية الصراع الايراني – الاميركي. لكن الأمرين لم يمنعا "الحزب" و"النظام" من الافادة قدر المستطاع من الحكومة الراهنة، ولن يمنعاهما من تحقيق المزيد من المكاسب مستقبلاً، وخصوصاً في ظل الأزمة الراهنة وربما حاجة الحاج نجيب اليهما اكثر من السابق. لذلك يقول عدد من الحريصين على الاستقرار ومن الذين يكنّون ودّا للحاج، وليسوا الوقت نفسه من 8 آذار ولن يكونوا، ان على ميقاتي الانتباه كي لا يُسلِّم "المفاتيح" الأساسية في الدولة الى "الحزب" بالتعيينات أو بغيرها وخصوصاً ان بعضها الأخير كان من الذي أصرّ عليه "الحزب" رغم اعتراض الداخل المعارض له والخارج. فذلك أمر قد يساعد "الحزب" اذا فرضت عليه التطورات في تنفيذ "خطة الأمر لي" بالواسطة في أمكنة ومباشرة في أمكنة أخرى. وما يقوله الأميركيون في هذا المجال يؤكد وفي وضوح ان دعم اميركا هو أولاً لاستمرار الاستقرار على هشاشته وليس لاستمرار حكومة ميقاتي. وهو ثانياً لبقاء ميقاتي في الوسط. وهو ثالثاً عدم تمكين "الحزب" من السيطرة على الادارات المؤثرة وفي مقدَّمها الأمن والعسكر والقضاء.

السابق
في معرض الكتاب الفرنكوفوني
التالي
الجسر: 14 آذار ضد الفراغ ومع حكومة حيادية