بوصلة بعبدا

يعود وليد جنبلاط الى وسطيّته، او يذكّر بها. إنه موقف «حمّال أوجه»، وفي حاجة الى توضيح. لو فتح الملك عبدالله بن عبد العزيز أبواب السعوديّة أمامه، هل كان حافظ على وسطيّته؟ أم عاد تحت سقف 14 آذار؟ ليفتح صفحة جديدة مع حزب الله، أو لـ»يصفيّ» معه رواسب الماضي؟.

ثم أنه يعطف وسطيّته على وسطيّة رئيس الجمهوريّة، أو يحاول أن «يشكلها» بها. وسطيّة رئيس الجمهوريّة مرجعيتها الدستور، والقوانين المرعيّة الإجراء، وتحت سقف الدولة والمؤسسات، وليست «خارج وخوارج».

فهل الخارج والخوارج في لبنان، وهم كثر في صفوف القيادات، والفعاليات، ويحملون الجنسيّة اللبنانية منذ أكثر من عشر سنوات، ويتغنّون بلبنان « يا قطعة سما»، يريدون الدولة والمؤسسات، أم مصالحهم الخاصة والعامة أولاً، ثم مصالح أولياء أمرهم في الخارج، أيّاً كان هذا الخارج؟.

السؤال أيضا برسم التيار السيادي، وثورة الأرز، ولبنان أولاً، وهو سؤال يطرحه المواطن العادي، أين هي هذه المثل الوطنيّة العليا التي تختصرها هذه الشعارات في مواقفه الأخيرة، وتحديدا عودته الى الشارع؟. العودة الى الشارع وفق نظامنا الديموقراطي التوافقي، تكون عبر صندوقة الإقتراع.

فهل تفضلت قوى 8 و14 آذار الى توضيح وتفسير بعض بنود إتفاق الطائف لكي يصبح رئيس الجمهوريّة حَكَماً فعليّا لا صُوَريّاً، ويملك صفّارة، وبطاقة صفراء، ليدير اللعبة وفق أصولها الديموقراطيّة، ويدعو الحكومة الى الإستقالة إستناداً الى شروط متوافق عليه وطنيّاً، ويكفلها الدستور، لتشكيل أخرى جديدة كما يطالب هذا الفريق السيادي؟!.

هل تلاقيتم في لحظة صفاء وطني على «تمكين» او «تخويل» رئيس الجمهورية بموجب الدستور أن يدعو، وفق شروط محددة يُصار الى التفاهم بشأنها، الى حلّ مجلس النواب، والدعوة الى إنتخابات نيابيّة جديدة لإخراج الأزمة من الشارع، لا بل للعودة الى الشارع، ولكن ليس لممارسة الفوضى، بل لممارسة حق الإقتراع، وحق التغيير من خلال صندوقة الإقتراع؟!.

يريد الفريق السيادي العودة الى الشارع، وممارسة حقّه بطرق حضاريّة لإسقاط الحكومة.

ليس في الشارع ممارسة حضاريّة سوى الصندوقة وحق الإنتخاب. وما تبَقّى من مظاهرات سلميّة، وإعتصامات أمام السرايا الحكومي، ومهرجانات خطابيّة، لا يسقط حكومات في وطن الطوائف والمذاهب والفئويات والعصبيات.

أما حرق الدواليب، وقطع الطرقات، والتعدي على الأملاك العامة والخاصة، وممارسة الشغب، فلا هو حراك سلمي ولا حضاري، بل فتنوي، لأن الشارع سوف يستولد شارعاً مقابلاً، لنعود سريعا الى ثقافة: محاور، وخطوط تماس، وآمنة وسالكة، وسائر «الأدبيات» والمشتقات الأخرى.

إتخذ بعض الفريق السيادي قرارات بهدف إسقاط الحكومة في الشارع، وإذ تبيّن أن هذه القرارات ليس لمقاطعة الحكومة، بل الدولة والمؤسسات، بمعنى آخر عندما يقاطع طاولة الحوار الوطني إنما يقاطع رئاسة الجمهوريّة لأن الرئيس هو من يدعو اليها، ويهندسها، وينسّق جدول أعمالها.

وعندما يقاطع نشاطات المجلس النيابي، إنما يقاطع السلطة التشريعيّة، والتي تشرّع للشعب، وليس للحكومة، وعندما يقاطع ورش اللجان النيابيّة، وبينها لجنة درس مشروع القانون الإنتخابي، إنما يقاطع التوصل الى قانون إنتخابي جديد تجري وفقاً لأحكامه الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، لتحقيق التغيير الذي يسعى اليه هذا التيار بالطرق والوسائل الديموقراطيّة.

أما الدعوات التي يطلقها، والأجندات التي يحددها، مختصرها بسيط وواضح، إستنهاض الخارج لمؤازرة الداخل على تحقيق الإنقلاب، وإذ بالخارج يقول كلمته «لا للبنان ساحة مشتعلة»، ولا «ساحة ثانية مشتعلة الى جانب الساحة السورية»، ساحة واحدة تكفي المجتمع الدولي في هذه المرحلة المفصليّة، والساحة السورية تفي بالأغراض المطلوبة، ولا حاجة له الآن الى ساحة ثانيّة.

تشير البوصلة في بعبدا الى الإتجاه المسموح به دوليّاً، وإقليميّاً في هذه المرحلة: هدوء، رؤوس باردة، تفكير متحرر من الغرائز والإنفعال، وإنضباط تحت سقف العمل المؤسساتي، وحول طاولة الحوار.

ويستنتج من الرسائل الخارجيّة بأن المرحلة دقيقة، لا تتسع لأي تهوّر او إرتجال: الإنتخابات الأميركيّة بدأت عمليّاً. الوضع في سوريا يدخل تدريجاً غرف العناية الفائقة من قبل عواصم الدول المعنيّة. الأخضر الإبراهيمي يحمل في زحمة تنقلاته، إقتراحاً وحيدا، ضرورة العمل الى طائف دولي – إقليمي – عربي جديد لم يحن أوانه بعد لإخراج سوريا من المأزق.

قصف مصنع الأسلحة في السودان يحمل مجموعة من رسائل التحدّي الإسرائيليّة برسم إيران ومنشآتها النووية، وحزب الله وسلاحه الصاروخي. الخارج له أولوياته واهتماماته، والمتاح هو العودة الى وسطية الرئيس سليمان.

السابق
النهار: نائبة وزيرة الخارجية الأميركية في بيروت اليوم
التالي
هولاند في السعودية الأحد