ليبر- ياهو

نتنياهو يجيد فن الحسابات. يعرف طعم الخسارة ويحبذ الربح . لا شك في انه قرأ وحلل بواقعية استطلاعات الرأي التي تشير الى تعزيز شعبية حزب العمل بعد ابعاد كبير النفعيين إيهود باراك عنه. يدرك خطورة قوة تيار الوسط اذا ما قرر إيهود أولمرت وتسيبي ليفني العودة الى الحلبة السياسية مع دخول لاعب الاسناد والدعم يئير ليبيد الملعب. يخاف ان يجذب "المرتشي غير الظريف" ارييه درعي "الليكوديين" المغاربة والشرقيين الى حزبه "شاس" بعد غيبته الطويلة في السجن ثم في الحظر. قلقه من الهزيمة المحتملة رماه في احضان امين سره السابق أفيغدور ليبرمان، وطموح زعيم "اسرائيل بيتنا" الى وراثة معلمه، دفعه بالطبع الى القبول بالاندماج في تحالف انتخابي.

نتنياهو يبدل ثوبه ويبدل حلفاءه، لكن فكره وايديولوجيته لا يتغيران. يتحدث عن دولة فلسطينية لكنه يعمل على تدميرها، يدعي البحث عن شريك فلسطيني لكنه لا يوفر فرصة لتوسيع الاستيطان واقامة اسرائيل الكبرى، يضج رأسه بالتشريعات العنصرية ويسعى الى الاجهاز على الاقلية العربية تارة بالقوانين وبالتنظيم وفتح السجون وطوراً بممارسة القمع المباشر واقامة الجدران والعوازل والحروب. لا فارق بينه وبين ليبرمان. ممارساته على أرض الواقع تلغي الفوارق الواهية بين الحزبين في مجتمع تجاوز العنصرية العادية وهو ينحدر انحداراً نحو "الابارتايد" بفعل التربية والتعليم والسياسة.

بقراره الجديد لا يبعد فقط ما يسمى تيار الوسط عن السلطة أو عن المشاركة فيها، بل يعزز طموحات ليبرمان الى زيادة تركيز الصلاحيات ونقلها من الكنيست إلى رئيس الوزراء، تمهيداً لتطبيق فكر النظام الرئاسي الذي يسعى جاهداً الى تحقيقه من خلال العودة الى البيت الليكودي الذي تربّى فيه للسيطرة عليه ولقيادته مستقبلاً، ولتمرير أفكاره المتمثلة بتأسيس يمين واحد كبير وقوي ومع زعيم مسيطر قادر على الحكم مدة طويلة وبصلاحيات أوسع وأشمل وأعم.

ليس مهماً ان تشكل خطوة الثنائي "ليبر- ياهو" خطراً على الديموقراطية الاسرائيلية، فتلك كذبة لاتستحق التوقف عندها. لكنها خطوة لاتبشر بالخير للمنطقة. ففي المسألة الإيرانية، ان وحدة اليمين الاسرائيلي وعودته القوية الى الحكم تعزز نزعة الحرب التي لم تتغيّر ولم تتبدل في رأس نتنياهو وشركاه، ولعل هذا التجميع اليميني هو خطوة استباقية لاحتمال بقاء الرئيس باراك أوباما في البيت الابيض، وتالياً مواجهته بجبهة قوية قادرة بتماسكها على التأثير على صانع القرار الأميركي باستخدام القوّة لأن الأساليب المتّبعة قد "فشلت" في وقف "الخطر" الإيراني.

السابق
قراءة جديدة في المشهد السوري
التالي
لا يختصر الأزمة بُعد واحد