صبر أيوب اللبنانيين نفد


الموقع سوداني، والهدف علاقته بالسودان جانبية. الغارة الإسرائيلية على معمل الأسلحة في الخرطوم، هي غارة المقتدر الذي يضرب الضعيف، لأنه لا يمكنه ضرب القوي ولأنه حالياً يفضّل توجيه الرسائل بالجملة الى عناوين مختلفة لكنها متشابكة، ومتداخلة.
السودان دولة ضعيفة. ليست دولة مواجهة ولا مقاومة ولا صمود ولا تصدي. لكن "النظام البشيري" بقيادة الفريق عمر البشير، إختار للسودان موقعاً في حلف يمنحه "الشرعية" لخطابه السياسي الاسلامي، دون أن يحميه. فما كان من النظام البشيري إلا الاتكال على السماء لحماية نفسه، دون أن يتوكل و"يعد ما استطاع من قوة"، فكان أن جاءت الطائرات الإسرائيلية وقصفت ودمّرت وعادت وعمر البشير يغط في نومه يحلم بالبقاء في السلطة الى الأبد، وبالنصر الشامل له ولحلفائه.
ضعف السودان، ليس جديداً ولا طارئاً. عاش السودان حربين في أقل من نصف قرن، انتهت الأولى بانفصال الجنوب عن الشمال. النظام البشيري وعمر البشير على رأسه لم يفجرا الحرب الأهلية، فهي سابقة عليهما. لكن البشير رعاها وغذاها إما عن سابق تصور وتصميم وإما عن عمى سياسي غير مسبوق، وعندما جرى تخييره أميركياً بين بقائه في السلطة وبين انفصال الجنوب الذي يشكّل ثلث البلاد، اختار بتر السودان على ترك كرسي السلطة لمن يمكنه ترميم البلاد. في أي دولة في العالم يسقط أكبر نظام، نتيجة لهزيمة أصغر من ذلك بكثير، خصوصاً وأن الهزيمة والانفصال لم يوقفا المواجهات في دارفور. في السودان العكس صحيح. المهم أن تبقى الخرطوم بيد البشير ورفاقه المحاربين الأشاوس في الداخل.
بعيداً عن مأساة السودان والسودانيين، فإن الغارة الاسرائيلية، حققت نجاحاً أولياً في تدمير مصنع الأسلحة سواء كان لصناعة الأسلحة الخفيفة أو الثقيلة. كانت إسرائيل قد جربت طيرانها قبل أكثر من سنتين ضد قافلة من الشاحنات في منطقة بورسودان. تؤكد إسرائيل أن الهدف هو صناعة أسلحة مصدرة لحركة "حماس" في غزة. من المؤلم أن تخسر "حماس" مثل هذا السلاح، لكن مشكلتها الحقيقية هي في استمرارها مع السلطة الفلسطينية في فصل غزة عن الضفة، الذي حقق لإسرائيل هدفاً استراتيجياً. لا شك أنه ليس بالسلاح وحده تنجح المقاومة. المهم وربما الأهم وجود عقل استراتيجي يدير السياسة والمقاومة معاً، لأنهما لا ينفصلان، الخسارة في جانب تنتج الخسارة في الجانب الآخر.
"حماس" لها موقع خاص في جملة الرسائل الاسرائيلية خصوصاً وان بعضها يتداخل مع حرارة الانتخابات الاسرائيلية. لا شك أن "حماس" أصبحت تمتلك أسلحة يمكنها التأثير على القرار العسكري الاسرائيلي بالحرب الشاملة ضد قطاع غزة. طبعاً وجود مصر التي تعيد تأهيل نفسها لاستعادة موقعها في صناعة القرار في المنطقة يؤثر كثيراً في القرار الاسرائيلي بالحرب ويجعلها تحسب حسابات كثيرة قبل أن تغامر كما فعلت في حرب "الرصاص المسكوب" أيام حسني مبارك. الغارة على مصنع الاسلحة في الخرطوم يرفع بدون شك رصيد بنيامين نتنياهو عدّة نقاط في الانتخابات التشريعية. لكن كل هذا لا يمنع من أن تكون إسرائيل تريد توجيه رسالة ضمنية ومضمونة لمصر الجديدة ان يدها طويلة وقادرة على الوصول إلى آخر نقطة مصرية لذلك من مصلحة النظام الجديد أن يخفف الحديث عن أي توجه حربي حتى اشعار آخر.
الرسالة المهمة موجّهة لايران. البعض يقول إنّ إسرائيل أبلغت إيران أنّها قادرة على ضرب المراكز النووية الايرانية خصوصاً في قم، لأنّها أقرب للطائرات الإسرائيلية من الخرطوم بثلاثمائة كلم. لكن هذه الرسالة ناقصة جداً، لأنّ تدمير المصنع في الخرطوم اقتضى أربع طائرات يمكن تزويدها بالوقود من طائرة واحدة. بينما الغارة على أي مركز نووي ايراني تتطلب عشرات الطائرات وعدة طائرات تزويد بالوقود وهذا كله يفوق قدرات اسرائيل ويتطلب مشاركة اميركية مباشرة وهذا ما ليس متوفراً ضمن المستقبل المنظور. يبقى السؤال الكبير الذي تطرحه "حرب الظلال"، المشتعلة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. من الواضح أنه في وقت دخل فيه قرار الحرب الثلاجة لفترة طويلة، فإنّ "حرب الظلال" مشتعلة بكل الاتجاهات، من اغتيال العلماء الايرانيين إلى الحرب الساييرية التي وصلت الى شن 300 ألف هجمة في اليوم الواحد على كل المواقع الالكترونية الايرانية، الى العمليات السرية التي لا يسمح بها العالم إلا لاحقاً، إلى الحرب الاقتصادية التي أسقطت التومان الايراني أمام الدولار فرفعت نسبة التضخم الى 23,5 في المئة رسمياً وخمسين بالمئة حسب خبراء اقتصاديين ايرانيين، تأتي هذه الغارة لتطرح سؤالاً واقعياً، هل الرد الايراني هو في إطلاق الطائرة "أيوب" من لبنان إلى صحراء النقب، والتهديد بأفضل منها، إذا كان هذا هو الرد فإنّ اسرائيل ستصعد أكثر فأكثر، لأن اسرائيل تلمس ميدانياً حدود القوة الايرانية.
إيران تخاف الحرب ولا تريدها لأنها تعرف جيداً انها ستخسرها وستدفعها عشرات السنين الى الوراء، مهما ألحقت من خسائر باسرائيل وبالولايات المتحدة الأميركية. التلويح بلبنان سلاحاً في مواجهة اسرائيل لم يعد ينفع، خصوصاً وأن "صبر أيوب" اللبنانيين من ان يكونوا دائماً "لحم مدافع" للنظام الأسدي تارة ولإيران تارة أخرى قد استهلك ونفد.
أما السودان فإنّ ربيعه قادم والنظام البشيري راحل.

السابق
زغيب: مصير ابو ابراهيم لا يقدم ولا يؤخر وما زلنا نحمل الحكومة التركية مسؤولية امن وسلامة المخطوفين
التالي
اسرار فرع المعلومات لاول مرة