واشنطن للأوروبيين: معاً ضد حزب الله

يتزامن رفع الرئيس الأميركي باراك أوباما شعاراته الانتخابية المناهضة للتعذيب والاعتقال التعسفي مع إطلاق مستشاره للأمن القومي جون برينان، أحد أبرز الداعمين للتعذيب في عهد سلفه، حملة تستهدف حزب الله من أوروبا

عجزت مساعي تحريض من تصفهم واشنطن بـ«المعتدلين الشيعة» على حزب الله فتحركت الادارة الأميركية باتجاه الأوروبيين، مناشدة تفعيل الجهود «لكشف البنية التحتية لحزب الله» من أجل «تعطيل نشاطاته». أطلقت هذه المناشدة عبر مستشار الرئيس الاميركي للأمن القومي جون برينان، خلال زيارته العاصمة الايرلندية دبلن يوم الجمعة الفائت. بدأ برينان بمعاتبة مضيفيه أثناء إلقائه محاضرة في «معهد الشؤون الدولية والأوروبية» قائلاً «إن العديد من الدول الاوروبية، بما فيها إيرلندا، لم تصنّف حزب الله منظمة إرهابية حتى اليوم. إن ذلك يصعّب علينا الدفاع عن بلداننا وحماية مواطنينا». ثم أشار إلى «أن إقدام هولندا وبريطانيا على تصنيف حزب الله منظمة إرهابية غير كاف». وخلص إلى أن الحزب «سيستمرّ بالإفلات من العقاب وسيستمر بجمع الأموال لنشاطه الارهابي إلا إذا باشر المجتمع الدولي، كما تفعل الولايات المتحدة الأميركية، ليس فقط الاعتراف بنشاطه الجنائي والارهابي بل تعقب هذا النشاط وتعطيله». المسؤول الأميركي الرفيع شدّد على أن عدم اتخاذ الاوروبيين إجراءات بحقّ حزب الله «يعرقل جهود فرض القانون على مشتبه فيهم منتمين إلى حزب الله» في إشارة إلى قرار الاتهام ومذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحقّ قائد وحدة مكافحة التجسس الاسرائيلي مصطفى بدر الدين وثلاثة رجال آخرين هم سليم عياش وحسين عنيسي وأسد صبرا. وطلب برينان من الاوروبيين محاسبة إيران وسوريا بسبب «رعايتهما حزب الله» معاكساً، بشكل لافت، الاتهامات الاميركية لحزب الله بدعمه النظام في سوريا في حربه ضدّ المعارضة المسلحة ومن يساندها.

كلام برينان، الذي يعدّ أحد أبرز مستشاري الرئيس باراك أوباما، تناقلته وسائل الاعلام الأميركية بنحو واسع، وهو يأتي قبل حوالى شهر على الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يسعى خلالها المرشحون إلى اجتذاب تعاطف اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية. لكن مناشدة الاوروبيين المشاركة في الهجوم الاميركي على حزب الله تدلّ كذلك على تغيير في الاسلوب الذي كان برينان قد أعلن انتهاجه في أيار الفائت. فقد أعلن يومها المسؤول الأميركي أن «ما علينا القيام به هو البحث عن طرق لإضعاف نفوذهم (نفوذ العناصر المتشدّدة في حزب الله) من الداخل ومحاولة تشجيع العناصر المعتدلة». وأضاف أن حزب الله «تنظيم مثير للاهتمام بسبب تحوله من منظمة إرهابية إلى ميليشيا يشارك أعضاؤها في الحكومة وفي البرلمان»، مضيفاً أن «حزب الله ما زال منظمة إرهابية، لكن هناك بعض العناصر في الطائفة الشيعية في لبنان يرون أن إرهاب حزب الله يتناقض مع طموحاتهم لأداء دور في الحياة السياسية اللبنانية». ومنذ أيار عقدت اجتماعات متتالية لـ«المعتدلين الشيعة» في شقق في بيروت والضاحية الجنوبية وفي فندق في منطقة الحمرا، وتخلل تلك الاجتماعات مداخلات تناولت «هيمنة الحزب على الشيعة في لبنان»، وتحدث بعض المشاركين بنبرة عالية أثناء تهجّمهم على قيادة حزب الله.

جهود جون برينان في حثّ الدول الأوروبية على تصنيف حزب الله منظمة إرهابية تضاف إلى جهود يبذلها وزير الخارجية الهولندي أوريال روزنتال في هذا الإطار، حيث إن روزنتال المقرّب جداً من إسرائيل، يسعى منذ توليه منصبه عام 2010 إلى إقناع نظرائه في فرنسا وألمانيا خصوصاً، وسائر دول الاتحاد الاوروبي عموماً، إلى تصنيف الحزب إرهابياً. لكن هولندا تبقى حتى اليوم الدولة الأوروبية الوحيدة التي حذت حذو الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، أما بريطانيا فيقتصر تصنيفها بالإرهاب على الجناح العسكري للحزب.

يذكر أن جون برينان مسؤول رفيع سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. وبصفته الحالية مستشاراً لأوباما، يشارك برينان في الهيئة التي تحدّد الاشخاص الذين تستهدفهم واشنطن في إطار «الحرب على الإرهاب». وتتمّ تصفية هؤلاء الأشخاص عبر عمليات خاصة للـ«سي آي إي» أو من خلال الطائرات الحربية من دون طيار (درون) التي يؤدي استخدامها إلى سقوط مدنيين في باكستان واليمن وأفغانستان والعراق. برينان وفريق عمله يضعون، أسبوعياً، لائحة تحدد الاهداف تمهيداً لمناقشتها في البيت الأبيض واتخاذ القرارات بشأنها.
وكان الرئيس أوباما يعتزم تعيين برينان مديراً لوكالة الاستخبارات الأميركية في تشرين الثاني 2008، لكنه تراجع عن ذلك بسبب مواقف برينان الداعمة لـ«تفعيل وسائل استجواب» الموقوفين في جرائم إرهابية، واعتقالهم بنحو تعسّفي وسرّي، ونقلهم إلى أماكن احتجاز غير محدّدة العنوان.

على أي حال، يتابع أوباما حملته الانتخابية لولاية رئاسية ثانية، مشدداً على أن «تفعيل وسائل الاستجواب» مخالف للقانون وللمعايير الأخلاقية، ويقول إن هذه الوسائل «تجعلنا أكثر عرضة للإرهاب»، منتقداً انتهاجها من قبل إدارة الرئيس بوش.
أما استهداف حزب الله فيبدو مادة انتخابية دسمة. فبعد مقتل أسامة بن لادن، لا بد من «بعبع» جديد يدفع الناخبين الأميركيين إلى التصويت لمن نجح في القضاء على «البعبع» السابق.

السابق
الحكومة باقية والإتّفاق على بديلة مستحيل
التالي
الحياد الكاذب بين 8 و14 آذار