قلق جنبلاط !

تشكل المواقف الأخيرة للقائد الدرزي وليد جنبلاط عقب اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن، محطّ اهتمام العديد من الدوائر السياسية المتحالف معها لاسيما بعد السجال الذي دار بينه وبين رئيس حزب المستقبل النائب سعد الحريري على خلفية رفض جنبلاط الاستجابة لطلب حليفه السني الأقوى بسحب وزرائه من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لإسقاطها، فقد تذرع بالخوف من الوصول إلى الفراغ الدستوري الذي من شأنه زيادة حدّة التأزم وفتح البلد أمام المزيد من الانكشاف الأمني.

ما اعلنه جنبلاط حيال الحكومة لم يكن على الأرجح نتيجة قناعته بذلك بل يعود إلى خوفه من أن يكون مسلسل الاغتيالات قد عاد الى الواجهة بعد الانفجار الذي أودى بحياة الحسن، خصوصاً أن جنبلاط الذي أورد في مقابلته المتلفزة الأخيرة أن «النظام في سورية ما زال قوياً وصامداً»، لم يلمس لدى «الحلفاء» و»الأصدقاء» في الولايات المتحدة أو الخليج أو حتى أوروبا من طمأنه الى أن ما يطمح اليه من تغييرات في سورية قد ينجح أو يتحقق، وهو الأمر الذي سيكون له انعكاسات كبرى على الساحة اللبنانية على المستويين السياسي والأمني، وتموضع لبنان في إطار المحور الممانع اكثر من السابق ومن دون حرج هذه المرة بعدما رفض «الشركاء» في الوطن التخلي عن شراكتهم، واختيار شريك لهم من خارج الحدود والبيئة التي ينتمون اليها، وذلك من أجل تنفيذ مخططات لا يتسفيد منها إلا العدو «الإسرائيلي» ويعمل على تحقيق مطلبه في القضاء على المقاومة عبر مدّ اليد الى سلاحها.

أسباب القائد الدرزي في التموضع الأخير كثيرة حيث أوصل الامور بينه وبين الحريري الى حافة الهاوية بعد أن تلقى عرضاً «سنياً» من رئيس كتلة «حزب المستقبل» في البرلمان اللبناني فؤاد السنيورة تضمن فتح أبواب المملكة العربية السعودية للقاء ملكها عبد الله بن عبد العزيز مقابل انسحابه من الحكومة الحالية، لكن حسابات جنبلاط لم تتطابق مع ذلك العرض إذ كان واضحاً أمامه ضعف المملكة وحلفائها من الغربيين والعرب حيال سورية بعد ما يقارب 19 شهراً على شنّ الحرب عليها.

مصادر سياسية تقول إن السبب الأبرز وراء موقف جنبلاط هو العامل الأمني وخوفه على نفسه فهو معروف بقلقه الدائم على هذا المستوى ومدى تأثير ذلك على أدائه السياسي و»تكويعاته» المتكررة فمن يرصد مواقيت تلك الانعطافات يرى بشكل جليّ أنها مرتبطة مباشرة بأحداث أمنية خطيرة تقضّ مضجعه، إلا أنه هذه المرة قد يبدو أمام فرصة حقيقية لاستعادة دور «بيضة القبان»، دور كانت طائفته الكريمة قد فقدته من خلال مواقفه «المتذبذبة»، إلا أن ذلك يرتبط ارتباطاً مباشراً أيضاً بمدى استقلاليته عن القرارات الخارجية بعد ان منحها جنبلاط ولاءه الكامل إثر اندلاع الأزمة في سورية التي ما عادت لتفتح الأبواب أمامه مهما كانت حاجتها اليه أو مهما كان رأي حلفائها في لبنان حوله.

يدرك رئيس المختارة جيداً أن الغرب قد تخلى عن مشروعه لإسقاط الدولة في سورية لو لم يعلن ذلك بعد، إلا أن أداءه حيالها بات واضحاً إن لجهة توفير الدعم للمسلحين أو لجهة المواقف السياسية التي لم تعد بنفس القسوة وبعد فقدان الأمل في تغيير قواعد اللعبة على الأرض بالقوة. كانت الإشارة بالنسبة إلى جنبلاط هي اغتيال الحسن الذي وقف على تقاطعات خطيرة في المشروع في المنطقة وما اضطلع به من مهمات تتصل بآلياته، إضافة الى دوره في الحرب على سورية، في حين يعرف وليد بك أن مثل تلك الحوادث الإجرامية تنذر بتغيير الاتجاهات، وربما بهبوب العواصف.

السابق
لافروف يبحث مع الابراهيمي عن تسوية.. ودعوة إلى اتفاق الحد الأدنى
التالي
الطيران الحربي الإسرائيلي واصل عدوانه على غزة المقاومة تردّ بالصواريخ بعد استشهاد مقاوم