العيد… بأي هدنة جئت يا عيد؟

بعد رحلة إبراهيمية بطيئة الخطى فقيرة الرؤى على الأطراف الدولية ذات العلاقة المباشرة بالوضع الراهن في سورية، أعلن الأخضر الإبراهيمي عن مقترحه الإنساني في مظهره، السياسي في باطنه، والمتمثل بالدعوة لهدنة موقتة بين الأطراف المتنازعة خلال أيام عيد الأضحى المبارك، تمهيداً لإيجاد حل سياسي سلمي يضع حداً للتدهور المتسارع الذي يشهده الوضع الإنساني والسياسي في الشارع السوري.

ورغم اليقين الضمني من جميع الأطراف بعدم جدوى مثل هذه الهدنات التي لا يقيم لها النظام السوري وزناً، إلا أن جميع الأطراف الدولية ذات العلاقة بالملف السوري سارعت إلى إظهار التأييد الكامل لهذه الفكرة التي تفتق عنها ذهن عجوز السياسة بعد أشهر من توليه مهمته السياسية القاضية بإيجاد حل للأزمة السورية، وهو ما يثير الشك والريبة في أهدافها غير المعلنة و يدعو للتساؤل حول المستفيد منها وحقيقة انصبابها في مصلحة طرف على حساب الطرف الآخر مما قد يغير في نتيجة المعادلة الثورية القائمة حالياً على أرض الواقع.

فمن الناحية السياسية شاب هذه الهدنة الكثير من الأخطاء السياسية والديبلوماسية، فقد جاءت بعد سلسلة من الإخفاقات السياسية السابقة التي تحققت على يد نبيل العربي والمراقبين العرب، ومن بعده كوفي أنان والمراقبين الدوليين، حيث فشلت جميع الجهود لإيقاف إطلاق النار لعدم التزام النظام السوري الفعلي والعملي بأي اتفاق من هذا النوع رغم موافقته اللفظية التي يحاول فيها تغطية شمس الأحداث بغربال مهترئ، من هنا كان الأجدى بالأخضر الإبراهيمي أن يستفيد من الجهود السابقة فيبدأ من حيث انتهت كسباً للوقت وإيقافاً لنزيف الدم السوري الذي يزيد تدفقه مع كل مهلة جديدة تمنح للنظام في دمشق، لا أن يعود من أول السطر بتلكؤ ملحوظ وبخط متعرج يزيد المسافة بين متعة القاتل ومعاناة القتيل.

بل انه ذهب بعيداً في إخفاقه بعد لقائه الأخير بالأسد والذي خرج منه بدعوة طرفي النزاع لـ «هدنة العيد» بـ «قرار منفرد»، والحقيقة أن هذا المصطلح السياسي يعتبر جديداً وغريباً في أروقة السياسة، فهو يعني أن يختار الأطراف المتنازعة توقيت وكيفية تنفيذ الهدنة، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على إفلاس حقيقي ليس للإبراهيمي فحسب بل لكل الأطراف الدولية التي شدت على يده وأيدت هذه الهدنة، وعلى عدم قدرة على فرض هيبة الأمم المتحدة وقرارتها على هذا النظام المستبد.

أما من الناحية العملية والتطبيقية فإن كفة النظام السوري في الاستفادة من هذه الهدنة ترجح على كفة الثورة، فأحداث اليوم تتحدث عن سيطرة أكبر للجيش السوري الحر وكتائب الثوار على الأرض السورية الملتهبة، كما تتحدث عن نمو ملحوظ في قوة هذا الجيش عدداً وعتاداً، وتطوراً تكتيكياً في تنفيذ عملياته العسكرية ضد قوات النظام الأسدي، في حين بدأ هذا النظام يعاني من زيادة المنشقين في صفوف ضباطه وجنوده وانخفاض معنويات المتبقين من جنود الأسد، وإذا أضفنا الأنباء التي تتحدث عن الاضطرابات التي حدثت في مسقط رأس الأسد والخلافات التي بدأت تظهر على السطح بين عائلته وبعض العائلات العلوية العريقة في القرادحة على خلفية سقوط العديد من أبنائهم قتلى في معركة خاسرة بالنسبة لهم بعد أن أدركوا أنهم يضحون بأبنائهم لحماية عائلة الأسد وتمكينها من حكم سورية، نجد أن النظام السوري بأمس الحاجة لهذه الهدنة ليعيد ترتيب صفوفه وتهدئة الأوضاع بين أفراد طائفته من جهة، ولتسديد ضربة قاسمة لظهر الثورة والجيش الحر من جهة أخرى بغطاء أممي ودولي وعربي.

وإذا قارنا الحديث عن الهدنة بالحديث عن إرسال قوات حفظ السلام إلى سوريا بعد أكثر من عام ونيف من إزهاق الأرواح، قد يصبح السؤال واجباً عن الهدف الحقيقي من هذه التحفة السياسية الرخيصة التي سميت بـ «هدنة العيد» والتي في باطنها دعم ضمني لبقاء النظام السوري لأطول وقت ممكن، وتكريساً لفكرة تقسيم سوريا بحجة وجود هذه القوات الفاصلة بين طرفي النزاع مما ينذر في حال تنفيذ هذا المخطط على بقاء الحال على ما هو عليه حتى إشعار آخر، مع إمكانية إقامة الدولة العلوية التي يسعى نظام الأسد لإقامتها في الساحل السوري.

لقد وافق النظام السوري على هدنة العيد، لكنه لا يزال مسترسلاً في غيه وطغيانه رافعاً سقف إجرامه بحق الشعب الأعزل كالمعتاد مع طلة كل مهلة أو هدنة، ووافق المجلس الوطني على الهدنة من منظور أخلاقي لإثبات حسن نوايا المجلس ورغبته في إيجاد حل سياسي للأزمة إن كان بالإمكان، ووافق الجيش الحر على الهدنة بشروطه العسكرية التي أعلنها أيضاً لإثبات تحمله مسؤولية هذا الشعب الذي يضع كل أمله الآن على سواعد أفراده للتخلص من الكابوس المقيت الذي يعيشه السوريون بألوانهم كافة منذ أكثر من سنة ونصف، لكن السؤال الآن هل ستلتزم جميع الاطراف بالهدنة، أم أنها ستكون جسراً آخر يمر عليه النظام فوق جثث المئات من أطفال سورية؟
العيد جاء ولكن.. بأي هدنة جئت يا عيد؟

السابق
اعصار ساندي: اميركا تعلن حالة الطوارىء وتخلي 375 الف مواطن
التالي
لافروف يبحث مع الابراهيمي عن تسوية.. ودعوة إلى اتفاق الحد الأدنى