الحياد الكاذب بين 8 و14 آذار

ما عاد جائزاً تمييع ثلاثة أمور أو حرف النظر عنها: أوّلها، أنّ الحركة الاستقلالية مؤطّرة في قوى آذار في أزمة شاملة لا تعالج بالمراهم "الاستنهاضية" و"النقد ذاتية". وثانيها، أنّ المشكلة السياسية مع قوى آذار أضحت بالفعل ثانوية، يقصد بها مشكلة السلطة وتداولها او تقاسمها، قياساً على المشكلة الاخلاقية، كما هي تتجذّر اغتيالاً في اثر اغتيال، وبالشكل الذي يجعل منها مشكلة كيانية، قد يعبّر عنها بمصطلحات شتى، لكن مختصرها: كيف نعيش سوية؟

أما ثالث الأمور التي ما عاد يجوز التسويف فيها، فيتعلّق بتلك النغمة التي تبحث في كل مرّة عن نافذة لتطلّ فيها، ساعية بالرياء الانسانوي لتبييض الاغتيالات. هؤلاء معشر "لا ولا آذار"، يعتبرون مثلاً ان من يقتلون، فبنتيجة الصراعات العبثية، الطائفية، الاقليمية، يقتلون، وبالتالي القاتل والقتيل متورطان في اللعبة نفسها، والمطلوب نبذ اللعبة. لكن هذا يعني ترك القاتل يلعب اللعبة هذه مرة ثانية وثالثة ورابعة، وبمؤازرة متزايدة من "قوى المجتمع المدني" كلما هو أمعن في القتل.

وجماعة " و آذار" هذه تخلط عمداً بين مستويين. فالانضواء ضمن احد الاصطفافين الائتلافيين شيء والمماثلة بينهما شيء آخر. زد على ان الانضواء درجات.
بسبب من المماثلة بين " و " يصير أهل "الحياد" الكاذب هذا درجة من درجات آذار. أساساً هناك لغط في هذه القسمة من الأساس. فقوى الممانعة اجمالاً لا تسمّي نفسها قوى اذار الا بشكل مجتزأ وغير مستقر، ودون اي اطار تنظيمي جبهوي واضح. هذا بخلاف قوى اذار. وعموماً فان معظم قوى اذار تقدّم نفسها على انها "لا ولا – لكن مع المقاومة". هذا ما يقوله حسن نصر الله ونبيه بري وميشال عون، مع حفظ الالقاب.

هل معنى هذا انّ القسمة بين و اذار لا مخرج منها في هذا البلد؟
غير صحيح. اولا لانها قسمة غير سوية. قوى اذار مجتمعة على تصور معين لاستقلال لبنان وصيرورته بلداً كالبلدان الاخرى. قوى اذار ليس عندها اي تصور من هذا القبيل. اللحمة الأمنية لقوى اذار لا تلغي غياب اي مشترك تصوري لطبيعة حل المشكلة اللبنانية بين مكوناتها. طبعاً، ازمة اذار تتقوم في المقابل في ان عليها ان تستخرج من تصورها السليم للبنان المستقل الديموقراطي المسالم المتصالح مع محيطه، تصوراً برنامجياً فعالاً لحل المشكلة اللبنانية. وهذا متعذّر الآن لسببين اساسيين. اللحظة الحالية في الصراع بين النظام والثورة في سوريا يطغى على ما عداه. واللحظة المتعلقة باعادة تأسيس قوى آذار بشكل يستوعب دروس سنوات من الكفاح السياسي المرير ما زالت لحظة ممتنعة، أيضاً لغياب التحسّس الفعلي لضرورتها، وراهنيتها عند كثيرين، وتفضيل ركنها في جملة ما تصفه الطبقة السياسية بأنه "كلام مثقفين".
مع ذلك، تبقى هذه بيت القصيد.

السابق
واشنطن للأوروبيين: معاً ضد حزب الله
التالي
ماضي: تحقيق الـFBI انتهى