الحريري وجنبلاط وتفاهم الضرورة

المصاعب التي تواجه المساعي الحوارية للرئيس ميشال سليمان تكاد تنحصر بلاءين: لاء المعارضة الرافضة اعادة فتح طاولة الحوار حول أي شأن قبل استقالة الحكومة، ولاء الأكثرية الحكومية، الممانعة في استقالة الحكومة قبل التفاهم على البديل من خلال الحوار المقترح.
وتتفرع عن هاتين اللاءين، لاءات عديدة، منها لا ١٤ آذارية لعودة الميقاتي الى السراي تحت أي مسمى، ولا الثامن من آذار، الرافضة أي دخول من باب الحكومة العتيدة، الى حياض سلاح حزب الله.
وليس من لاءين، يمكن أن تنتج نعماً، والأشواك بعكس الورود، لا تذبل أبداً، بمعنى أن الشر يعيش طويلاً، ومن هنا عودة معادلة التريث والانتظار الى الصدارة منذ اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن.
هذه المعادلة القديمة الجديدة مرتبطة زمنياً، بمرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهي قد بلغت المحيط الأوروبي، الدائم القلق على جنوده، في جنوب لبنان، مؤخراً.
وثمة من يقرأ في التردد الأوروبي حيال سوريا ولبنان، ما يذكّر بسياسة النأي بالنفس اللبنانية المعتمدة، نسبياً، حيال الوضع السوري، تماماً كالادارة الأميركية الديمقراطية، المنصرفة الى السباق مع الجمهوريين نحو البيت الأبيض.
والانتخابات الأميركية باتت على الأبواب، بضعة أيام وتظهر نتائج الصراع بين الحمار والفيل، ويبطل وجود عناصر انتظارية جديدة تبرر التلكؤ في حل معضلة الحكومة الناشئة عن اغتيال شهيد الامن الوطني اللواء وسام الحسن، أو في الانطلاق مجدداً على دروب الحوار وصولاً الى محطة الاستراتيجية الدفاعية العصية على الحل، الا ما هو متداخل مع الأزمة السورية العابرة للحدود.

واللافت لنظر بعض الدبلوماسيين ان النظام السوري، يحتاج بين الفينة والفينة، الى اثبات انه ما زال جوكر اللعبة في لبنان، وانه من خلال الاوراق المحلية المرتبطة به، يستطيع ازالة ما يعتبره عوائق مضرة بالمسيرة، وذلك ضمن اطار سياسة تصدير الأزمة الى دول الجوار، لاظهار خصومه وكأنهم الشوكة في حلقة الاستقرار المقدس، من وجهة نظر الغرب المهجوس بوحداته العسكرية المشاركة مع الدوليين في جنوب لبنان.
ولا شك ان هذه المخاوف مبررة، طالما انه لا يمضي يوم الا وتُقطع فيه طريق، ولا أسبوع أو اثنان الا ويقع فيه انفجار او اغتيال او اشتباك او خطف على الهوية المصرفية… ولا تبدو قوى الدولة مكبّلة بالمربعات الأمنية والحسابات السياسية، يقابلها استنكاف من جانب القوى غير الرسمية القادرة، عن استخدام قدرتها المعلن مجازاً، انها بتصرّف الدولة، لا على صعيد خدمة الاستقرار ولا على صعيد ملاحقة وتسليم الخارقين لسلامته.
وهذا الخرق المتقطع للاستقرار الملحوظ في اعلان بعبدا الحواري، المقابَل بوضع بعض الدول رأسها في الرمال، يؤكد الاستنتاج الدبلوماسي بأن لبنان ليس ضمن الأولويات الدولية في الوقت الحاضر، وان سوريا تحتل الصدارة، ومن هناك كانت الدعوات الى التريث والانتظار. والتريث والانتظار يعنيان في القاموس اللبناني، ان لا ضوء أخضر لاسقاط حكومة الميقاتي، ولا قدرة ملموسة على تشكيل حكومة بديلة في حال توفّرت ظروف اسقاط الحكومة…
وواضح ان المعارضة تفتقر الى امكانيات الاسقاط عبر سحب الثقة، أو تسمية رئيس مكلف لحكومة جديدة: فالنائب وليد جنبلاط أعلن موقفه بصراحة، لا اسقاط للحكومة قبل توفير البديل، وما يعني ان المعارضة وحلفاءها المفترضين ليسوا مهيّئين لحجب الثقة عن الحكومة، وهذا ما استفاد منه الرئيس ميقاتي، الذي لا شك بأنه رقص طرباً عند انفخات دفّ العلاقة بين سعد الحريري ووليد جنبلاط، ورفع صورة على بانويات طرابلس مرفقة بعبارة الأوادم معك، وسارع الى تعيين جلسة لمجلس الوزراء، الأربعاء، مسبوقة بتصريح يقول فيه ان الاستقالة ليست واردة…
على ان فرحة ثمانيي آذار لم تصل الى قرعتهم… إذ سرعان ما تدخّل سفراء النوايا الحسنة لرأب الصدع وضبط النفس، وكانت البداية، التوافق على وقف السجالات العلنية بين الحريري وجنبلاط، تمهيداً لاستئناف اللقاءات والمشاورات. فالانتخابات على الأبواب، وتفاهم الضرورة أمر كتوم.
وقديماً قيل: ما لا يمكنك تجنّبه عليك تقبّله…

السابق
السلطات الاسرائيلية تبدأ حملة دبلوماسية بهدف عرقلة التصويت على عضوية فلسطين في الامم المتحدة
التالي
اعصار ساندي: اميركا تعلن حالة الطوارىء وتخلي 375 الف مواطن