دروس هدنة الإبراهيمي

عدد القتلى في سورية في اليوم الأول لعيد الأضحى المبارك، مع سريان «وقف العمليات العسكرية» من قبل قوات النظام، كان أقل من المعدل اليومي للأيام السابقة. ورأى الموفد المشترك الأخضر الإبراهيمي عدداً أقل من الضحايا في يوم العيد، محققاً بذلك شعار الهدنة التي دعا إليها. ولا ندري إذا كان مثل هذا الاستنتاج قد يشجعه على الاستمرار في هذا النوع من الوساطات ليبني عليه الحل السياسي الذي يبشر به من دون أن يعرف احد في العالم مضمونه.

في الشكل، التزمت قوات النظام ببيانها عن وقف العمليات، إذ إنها استخدمت حقها في الرد، فهي ردت على المصلين الخارجين من المساجد في أول أيام العيد مطالبين بإسقاط النظام. إذاً، اعتدى هؤلاء المتظاهرون السلميون على النظام لمجرد السير في تظاهرة، فكيف الأمر عندما يطالبون بإسقاط النظام؟ ليتحولوا إلى «عصابات تكفيرية مسلحة»، وبات عليه واجب الرد عليهم بالقنص والقصف والاعتقال. وهكذا، لم تفعل قوات النظام سوى استخدام حقها في الرد على «الخرق الكبير» الذي أقدم عليه المتظاهرون.

في المضمون، تعامل النظام منذ اليوم الأول للحراك السوري، على انه «عصابات مسلحة مأجورة للخارج». وليصبح كل معترض على سياسة النظام، أو حتى إدارته للأزمة «عميلاً مأجوراً» للصهيونية والإمبريالية ودول الخليج وتركيا أيضاً، أي أن النظام وضع منذ انطلاق التظاهرة الأولى، الغالبيةَ الشعبية في خانة «الخيانة والعمالة»، والتي ينبغي القضاء عليها. وهذا ما يفسر هذه الضراوة في القتل والإمعان في التدمير والتهجير لغالبية الشعب.

والتقدير أن تجربة هذه الهدنة التي لم تحصل، غنية بالدروس للإبراهيمي، ما دام يفتش عن آراء وأفكار هنا وهناك. وقد تغنيه هذه التجربة عن استطلاع آراء موسكو وقبلها طهران وغيرهما من العواصم. والدرس الأبلغ هو أن النظام يعتبر أي نوع من المعارضة في البلاد «اعتداء مسلحاً» عليه، ويتعامل معه بكل أنواع الأسلحة الثقيلة التي يملكها. وينسحب هذا الاعتبار، ليس على غالبية الشعب السوري وحسب، وإنما مع كل مؤيد لحقه في الحرية ومتضامن مع مآسيه التي يعانيها على يدي النظام الذي يحكمه.

وعندما سيتصدى الإبراهيمي للأفكار التي يعتبر أنها تؤدي إلى حل في سورية، عليه أن يأخذ في الاعتبار أن أي مسعى لجعل النظام يقبل بأن تكون للسوريين حقوق سيكون بمثابة «اعتداء» عليه، مثله مثل «اعتداء» المتظاهرين السلميين أول من امس. وإذا كان الإبراهيمي يراهن على أي ظرف أو ضغط لحمل النظام على قبول الحوار مع المعارضة، فإن جواب النظام منذ اليوم الأول، أن هذه المعارضة تعمل لأجندة خارجية ولا حوار معها إلا بالسلاح للقضاء عليها.

في هذا المعنى، لا يتعلق الأمر بأن الهدنة مع المعارضة، والتي رغب بها الإبراهيمي، لم تصمد، فهي منذ البداية لم تكن هدنة بالنسبة إلى النظام، الذي لا يعترف أساساً بأنه يواجه معارضة داخلية، وإنما «مجموعات مسلحة» تعيث في البلاد. وإنما يتعلق الامر بنوعية الحل الذي يرتجيه الإبراهيمي عبر الحوار ووقف القتل.

إذا كان النظام لا يستطيع تحمل تظاهرة سلمية، كما أثبتت تجارب الشهور الطويلة الماضية، خصوصاً خلال الفترة التي يفترض به أن «يوقف عملياته العسكرية» خلالها، فكيف يمكن الإبراهيمي أن يقنعه بالحوار مع هؤلاء المتظاهرين ومن يمثلهم في المعارضة، وصولاً إلى حل؟ لا بل كيف يمكن الإبراهيمي أن يقنع روسيا، راعية «وقف العمليات العسكرية»، والتي يزورها غداً بدروس هذه الهدنة المجهضة، وصولاً إلى تحرك دولي يلزم النظام بالكف عن اعتبار أن الأسلحة الثقيلة والتدمير والتهجير والقتل وسيلته الوحيدة للتعامل مع غالبية السوريين؟

السابق
سلاح حزب الله والثورة السورية
التالي
الفتنة وحرب الضحايا على الضحايا!