هل أيقن حزب الله أن تغيير قواعد اللعبة قد بدأ؟


ثمة مسلمات لم يعد ممكناً القفز فوقها، ولا بد لفريق قوى الثامن من آذار، وفي مقدمها «حزب الله» ومن ورائه سوريا وإيران، الانطلاق منها في الحسابات السياسية حيال لبنان: إن ما بعد اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وسام الحسن ليس كما قبله، وأن حال الانتظار التي طبعت أداء قوى الرابع عشر من آذار على بدء خلفية الثورات العربية ولا سيما الثورة السورية، منذ الانقلاب الدستوري على حكومة سعد الحريري قد انتهت لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها الأساسي إلغاء مفاعيل هذا الانقلاب، والذي يشكّل إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المدخل إلى تحقيق ذلك.من تلك المسلمات، تنطلق قوى الرابع عشر من آذار في معركتها اليوم، لتُصحّح الخطأ الذي وقعت فيه يوم شاركت في الاستشارات النيابية والعملية السياسية، ولم تلجأ إلى المقاطعة والعصيان السياسي والمدني من منطق الالتزام بالمسار الدستوري. فغطت بخيارها هذا الانقلاب الدستوري عليها، والذي كان من نتائجه توفير المسوغات لاعتراف عربي ودولي بالحكومة المؤلفة، من حيث الشكل، بالطرق الديموقراطية ووفق آليات الدستور، رغم يقين المجتمع الدولي أن تكوين الأكثرية الجديدة قد حصل ترهيباً وترغيباً بعيداً عن اللعبة الديموقراطية، ما يعني عملياً تزوير النتائج الفعلية للانتخابات النيابية عام 2009، التي جرت في ضوء ما أنتجه اتفاق الدوحة من تسوية، عقب اجتياح «حزب الله» وحركة «أمل» بيروت ومناطق الجبل، تمثل يومها بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة شراكة وطنية بثلث معطّل لقوى الثامن من آذار، وإجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين. كما تمثل عملياً بوقف الاغتيال السياسي الذي كان يستهدف قوى الرابع عشر من آذار.يومذاك، شكّل اتفاق الدوحة تسوية أعادت سوريا من بوابة حلفائها الداخليين وراعيها الإيراني شريكاً في القرار اللبناني، بعدما كانت انتفاضة الاستقلال قد أخرجت قوات النظام السوري من لبنان على خلفية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وفتحت المصالحة السعودية – السورية، على هامش قمة الكويت في شباط 2009، الباب أمام عودة العلاقات بين الرياض ودمشق، والبحث في مبادرة السين – السين لإنهاء الأزمة السياسية الناشئة عن تداعيات اغتيال الحريري وإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في تلك الجريمة المتهم بالضلوع بها النظام السوري وحلفاؤه، قبل فشل مبادرة السين – سين وترجمة ذلك في إطاحة التحالف الإيراني – السوري بحكومة سعد الحريري بتوقيت ذات دلالات ومعان سياسية، حين كان رئيسها في حضرة الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، في رسالة واضحة من أن الغطاء العربي والدولي الذي تتمتع به الحكومة ورئيسها لا يشكلان حماية لها ولموقع لبنان السياسي، وأن قواعد اللعبة في لبنان قد تغيّرت. منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، شكلت حكومة ميقاتي الغطاء السياسي لمرحلة السيطرة السورية – الإيرانية على القرار اللبناني. لم يكن هذا ليتم من دون مشاركة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالانقلاب، والذي عزاه لاحقاً إلى أن «المسدس كان موضوعاً على الطاولة في وجهه»، لكنه كان في الواقع انعكاس لمشهد سياسي يؤشر إلى انكفاء أميركي في المنطقة على حساب محور الاعتدال العربي لصالح المحور السوري – الإيراني. على أن المشهد السياسي برمته قد تبدّل مع انبلاج فجر «الربيع العربي» الذي أطل على سوريا محدثاً زلزالاً كبيراً ستترك معالمه تحولات جوهرية على مستوى المنطقة لا تزال في طور التشكل. من هنا جاء اغتيال الحسن، بما يشكل من «توازن ما» في المعادلة الأمنية في لبنان، ليؤشر أن سياسة الانتظار التي تنتهجها قوى الرابع عشر من آذار باتت تحمل في طياتها مخاطر حقيقية، ليس على مستوى الاستقرار الأمني والعسكري، بل على مستوى النظام السياسي والصيغة اللبنانية. ذلك أن ثمة اقتناعاً لدى قوى الرابع عشر من آذار بأن الهدف الرئيسي لـ «حزب الله» كان يتمحور، في سائر المحطات المفصلية منذ نشوئه، على كيفية التأقلم مع المتغيرات الكبرى للبقاء كقوة عسكرية مستقلة لديها القدرة الاستراتيجية عبر تحالفها مع إيران. وقد نجح بذلك في مختلف المحطات سابقاً، سواء عام 1990 مع انتهاء الحرب اللبنانية، يوم تم استثناؤه كميليشيا تحت عنوان المقاومة التي حُصرت به من دون سائر القوى التي حملت قبله لواء مقاومة الاحتلال، مروراً بعام 2000 ونجاحه بالبقاء كمقاومة من دون وجود مقاومين تحت الاحتلال، فعام 2005 وتأقلمهم مع عدم وجود الإدارة السورية، ومن ثم عام 2006 حين تعايش مع الجيش والقوات الدولية بخطها الفاصل على الحدود مع إسرائيل، ليتحول بعد السابع من أيار إلى حماية قوته الاستراتيجية العسكرية عبر الإمساك الداخلي بالسياسة والإدارة اللبنانية، وليسعى إلى تثبيت سياسة وضع اليد مع الانقلاب الدستوري والإتيان بحكومة ميقاتي. وفي قراءة تلك القوى أن حزب الله، الذي أعلن صراحة انخراطه العسكري إلى جانب النظام في الصراع الدائر في سوريا، يدرك أن التحولات التي ستنشأ عن سقوط نظام الرئيس السوري ستصيبه، لا كقوة سياسية لها امتدادها الشعبي في البيئة الشيعية، بل كقوة عسكرية مستقلة لها قدرتها الاستراتيجية كذراع إيرانية على المتوسط وكجزء من المشروع الإيراني في المنطقة، وهذا ما سيدفعه إلى إحكام قبضته على البلاد من خلال خلق الظروف لقضم المفاصل الأساسية سواء السياسية أو الأمنية أو القضائية التي توفّر له الغطاء للإبقاء على وضع يده على القرار اللبناني، وجعل لبنان في معادلة سياسية تدور في الفلك الإيراني.وما يعزّز من تلك القراءة، ما يتم تداوله في الدوائر القيادية الضيقة لحزب الله، من أن الصراع الدائر في سوريا، والذي سيقوّض النظام الحالي، سيؤول في النهاية إلى «طائف سوري»، يشكّل تسوية سيقدم فيها الحليف الإيراني تنازلات سترجح كفة الأكثرية السنية في سوريا، الأمر الذي يفتح نافذة حقيقية، إذا ما تمّ خلق الظروف المناسبة، لإعادة البحث في إعادة تركيب الصيغة اللبنانية، بحيث يؤول تعديل الطائف اللبناني إلى نظام يعطي أرجحية للمكون الشيعي في لبنان، الكفيل بحماية النفوذ الإيراني في لبنان، ما يعوّض الخسارة الإيرانية لسوريا، والتي سبقتها الخسارة الإيرانية لغزة التي كانت، وهي تستقبل أمير قطر، تعلن خروجها من الفلك الإيراني.على أن تلك القراءة، التي تؤشر إلى استعار المواجهة السياسية الداخلية في ضوء جزم قوى الرابع عشر من آذار أنها ماضية في خطواتها حتى إسقاط الحكومة، بما يشكله الرئيس ميقاتي من واجهة لمشروع «حزب الله»، تطرح تساؤلاً جوهرياً عما إذا كان «حزب الله» قد أيقن أن مرحلة تغيير قواعد اللعبة التي فرضها بانقلابه الدستوري قد بدأت، وأن عليه تالياً أن يُعيد عقارب الساعة إلى الوراء بالعودة من جديد إلى إعادة إحياء «اتفاق الدوحة» الذي يوفّر المخرج غير المكلف عليه وعلى البلاد، بدل المضي في سياسة وضع اليد التي ستجره إلى صراع داخلي لن يكون قادراً على تجنب شظاياه المذهبية، والتي من شأنها أن تجعل سلاحه وقوداً في حرب داخلية مذهبية تستنزفه، فيما كان
هدفه دائماً كيفية الحفاظ على هذا السلاح كقوة استراتيجية لها امتدادها الإقليمي؟!.

 

السابق
من سيجرؤ أن يقول لا لمفتي السعودية؟
التالي
حزب الله يخشى من صدام مع المسلمين السنة بسبب دعم نظام الاسد