8 آذار: إستكبار يقارب الإنتحار

في مثل هذا اليوم نجح القاتل في اصطياد اللواء الشهيد وسام الحسن… وبعد اسبوع لم يظهر ان خلاصة ردود الفعل تطمئن اللبناني العادي إلى أنّه لن يتلقى جرعة جديدة من الاغتيالات، إذ لم تكن حصيلة المواقف السياسية مطمئنة: الشرخ الداخلي الى ازدياد، والثقة بأجهزة الدولة تراجعت الى الوراء بعدما كانت مهتزة، والتحسّب من حصول أحداث أمنية وتوترات في الشارع ازدادت رغم الخطوات المخلصة التي اتخذها الجيش والقوى الامنية في الشارع. فقد نزعت بعض فتائل الفتنة من خلال كشف زيف وكذب رواية قطع أصابع شاب شيعي بسيف “ملتحٍ سنيّ طالباني” في الطريق الجديدة.

ولأن الاغتيال طال شخصية تشكّل، في موقعها وما انجزته، ركيزة امنية للدولة أولا، ولأنها شخصية تعتبرها قوى 14 آذار أحد مصادر حمايتها من الاستفراد والاغتيال ثانياً، ولأن الاغتيال تم على وقع الانجاز الأخير الذي حققه الشهيد بكشف مؤامرة التفجير عبر ما يعرف بـ”شبكة سماحة – المملوك ثالثًا، ولأن هذا الاغتيال زاد الشرخ المذهبي، وأتاح، لمن يستثمر به، مناخا نموذجيا لتعميق الشرخ تمهيدا لانفجاره وتشظيه رابعا، ولأن قوى 8 آذار تحوز على سلطة واسعة، إن لم تكن حاسمة داخل الحكومة، وعلى نفوذ امني وعسكري متفوق من خارج الحكومة عبر حزب الله، خامساً.. لهذه الأسباب كلّها كانت الخطوة لمواجهة هذه الجريمة مطلوبة أولا من فريق قوى 8 آذار، والحكومة ضمنها بطبيعة الحال. الخطوة مطلوبة منه بالاضافة الى انه يمسك بمقاليد السلطة، ولأنه فريق سياسي يحذر من الفتنة ومن مؤامرات تستهدفه وتستهدف ما تبقى من السلم الاهلي، ولأنّه يدّعي أنّه فريق ضنين بالمحافظة على الوحدة الوطنية وردم شروخها.

لم يقم فريق 8 آذار بغير اصدار بيانات استنكار هذه الجريمة، والمطالبة بأن يأخذ التحقيق مجراه، والدعوة الى التهدئة والتضامن. وهي مواقف يمكن ان تصدر عن اي جهة حيادية أو يتضمنها بيان دبلوماسي، فيما المطلوب خطوة سياسية على مستوى اهداف القاتل. فإذا كان القاتل يهدف الى تسعير الفتنة بين اللبنانيين وتعميق الشرخ المذهبي واثارة الخوف لدى المواطنين من عودة موجة القتل والاغتيال، واذا كان الهدف زيادة منسوب عدم ثقة المواطنين بدولتهم واجهزتها، كان لا بد ان تتبنى قوى 8 آذار خطوات تتجاوز ما قامت به حتى الآن. فلا يمكن تحميل قوى 14 آذار المسؤولية، هي المستهدفة بالقتل والاغتيالات والمحاولات الفاشلة التي تطال رموزها منذ سنوات، وهي ليست مطالبة بألا تظهر غضبها وألا تسعى إلى ما تعتقده وسيلة توفر بعض الحماية لقياداتها وجمهورها.

قوى 8 آذار لم تبادر الى طمأنة اللبنانيين، فضلا عن خصومها السياسيين، لا لجهة جدّية العمل كشف القتلة، ولا عبر قيامها بخطوة تظهر عزمها واصرارها على وقف مسلسل القتل لاحقا. وهو عزم لا يمكن ان يتحقق الا بمبادرة سياسية تظهر ان هذه الجريمة زادت من وحدة القوة السياسية تجاه رفض الاغتيال والاقصاء السياسي. مبادرة سياسية تطوي صفحة الاقصاء للكتلة السياسية السنية، ومبادرة تزيل اي التباس لدى اللبنانيين بأن ثمة من يريد في قوى 8 آذار تبرئة ميشال سماحة من اعترافاته. مبادرة سياسية تظهر بوضوح ان قوى 8 آذار لا تريد ان يكون الامن والقضاء تحت سيف الخوف والاغتيال. مبادرة سياسية تحدث صدمة ايجابية على المستوى الوطني، تساهم في استعادة وتثبيت سياسة النأي بالنفس عما يجري في سورية.

لم تقم قوى 8 آذار بأي خطوة مطمئنة. بل هي تبدو غير مستاءة من انكفاء الاصوات المعتدلة داخل الساحة السنية لحساب المتشددين ممن يعتاشون على ثمار الفتنة القاتلة. لا بل ثمة ما يشي باقتناع لديها انها تمسك بمفاصل البلد وقادرة على السيطرة والتحكم. هذا من دون أن تقوم بأي خطوة تجاه المعارضة، بل تجاه اللبنانيين عموما، توحي بأنها حريصة على وحدة البلد في لحظة اغتيال امني وسياسي غير عادي.
ثمة ما يشي بفائض ثقة لديها هو اقرب الى استكبار.. يلامس الانتحار.

السابق
مقاتلو أنصار الشريعة يعلنون انهم غير معنيين بوقف اطلاق النار في سوريا ويشككون باحترام الجيش السوري لها
التالي
من سيجرؤ أن يقول لا لمفتي السعودية؟