لماذا لا مخرج في سورية؟

يخدع نفسه من يعتقد ان هناك مخرجا سلميا في سورية يمكن بلوغه من دون خروج الرئيس بشّار الاسد بكلّ ما يمثّله من السلطة. في النهاية، أن تعرف كيف تخسر في السياسة، او حتى في الحرب، اهمّ بكثير من ان تعرف كيف تربح. قد تكون السياسة فنّ معرفة التعاطي مع الخسارة اكثر من اي شيء آخر. وهذا ما جعل بلدين مثل المانيا واليابان يخرجان منتصرين من الهزيمة التي لحقت بهما في الحرب العالمية الثانية.
خسر النظام السوري لانّه لم يدرك اصلا طبيعة الثورة الشعبية في البلد. استخفّ بالشعب السوري معتقدا ان الاسلوب الذي اتبّعه في حماة في العام 1982 لا يزال صالحا في السنتين 2011 و2012. اكثر من ذلك، اعتقد النظام ان في استطاعته تدجين السوريين بعدما عمّر ما يزيد على اربعين عاما وبعدما تمكّن الرئيس الراحل حافظ الاسد من توريث نجله السلطة والبلد تحت شعار «الاسد الى الابد». كان التوريث ذروة الانتصار على الشعب السوري، نظرا الى ان النظام اعتقد انه اكتسب شرعية تسمح له باعتبار السوريين مجرّد عبيد لا رأي لهم يصدّقون كلّ ما يقال لهم عن «مقاومة» و«ممانعة» و«مؤامرات خارجية» تستهدف البلد.

لم يدرك النظام في ايّ لحظة عمق ازمته التي يختصرها عجزه عن الحرب والسلام في آن، وانّ كلّ ما يستطيع عمله هو المتاجرة بفلسطين والفلسطينيين ولبنان واللبنانيين. لم يدرك ان لكلّ شيء نهاية وان ليس من السهل الاستمرار في خداع السوريين الذين يعرفون جيّدا انّ النظام اصبح منذ خروجه من لبنان في العام 2005 تابعا للنظام الايراني وانّه فقد اي هامش للمناورة في كلّ ما يتعلق بطبيعة العلاقة بين دمشق وطهران.
ماذا عن الوضع الراهن والمهمّة المستحيلة التي يتولاها الوسيط الدولي والعربي السيّد الاخضر الابراهيمي؟

لم يتغيّر شيء في سورية منذ عشرين شهرا، اي منذ اندلاع شرارة الثورة. لا يزال النظام يعتقد انه قادر على الانتصار على شعبه عن طريق الحلّ العسكري. صارت المشكلة من شقّين يتمثّل الاول في ان لا خيار آخر امام النظام الذي يرفض الاعتراف بانّه انتهى وانّ لكلّ شيء نهاية والآخر بأنّ بشّار الاسد نفسه يعيش في عالم خاص به لا علاقة له بما يدور فعلا على الارض السورية. المؤسف ان طريقة تفكير الرئيس السوري، الذي يرفض التعلّم من اخطاء الماضي القريب تحول دون اي مخرج من اي نوع كان في سورية.

لو كان الاسد الابن قادرا على مراجعة الذات، لما ارتكب خريف 2004 جريمة التمديد للرئيس اللبناني اميل لحوّد بعد صدور القرار 1559 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة. فالقرار لم يكن تعبيرا عن ارادة دولية فحسب، بل ان كلّ نقطة فيه تتطابق ايضا مع نص اتفاق الطائف الذي وافق عليه اللبنانيون في العام 1989 والذي ما زالوا، الى اشعار آخر، متمسكين به على الرغم من سعي «حزب الله» ومن لفّ لفّه الى المثالثة بدل المناصفة. والمثالثة تعني مثالثة بين الشيعة والسنّة والمسيحيين بدل مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، يعيشون معا متساوين في وطن واحد.
كذلك، لو كان الرئيس السوري قادرا على مراجعة الذات، لما كان اعتقد ان التخلص من رفيق الحريري في السنة 2005 يشبه التخلص من كمال جنبلاط في العام 1977 وان ذلك سيسمح بوصاية سورية على لبنان تمتدّ خمس وثلاثين سنة اخرى…

تبدو مشكلة سورية مشكلة نظام وكيان في الوقت ذاته. ولكن يتبيّن في ضوء ما شهدناه اخيرا انّها مشكلة طريقة في التفكير ايضا. انها طريقة تقوم على تجاهل ما يدور على ارض الواقع من جهة والاعتقاد ان هناك حلاّ عسكريا يمكن ان يؤمنه الدعم الايراني والروسي من جهة اخرى.
نعم، هناك انسداد تام في سورية. لا لشيء سوى لأنّ النظام يظنّ ان في الامكان السيطرة على المدن السورية الكبيرة وعلى الداخل السوري عموما وان المشاكل محصورة بالاطراف، اي بالمناطق القريبة من الحدود مع لبنان وتركيا والعراق والاردن. هناك في سورية من يرى ان «الداخل تحت السيطرة» وان المناطق الحدودية تثير قلاقل بسبب «المؤامرة الخارجية» مضيفا انّه لدى توقف هذه «المؤامرة» سيعود كلّ شيء الى طبيعته في البلد.

من يفكّر بهذه الطريقة، يكون اختار الطريق الاقصر لإغلاق اي مخرج. ولذلك، كلّ ما يمكن توقّعه في الايام والاسابيع القليلة المقبلة هو مزيد من التصعيد نظرا الى ان النظام يرفض الاعتراف بانّه خسر وان طريقة رحيله هي كلّ ما يمكن التفاوض في شأنه.
المخيف في الامر، ان كلمة الرحيل ليست واردة لدى النظام وانّه يظن ان في استطاعته اللجوء في نهاية المطاف الى خيار «الجيب العلوي» الذي شرح أبعاده بكلّ دقة رجل شجاع وقائد حقيقي اسمه الملك عبدالله الثاني. اشار العاهل الاردني في احدى مقابلاته الاخيرة الى ان القيادة السورية لجأت الى «الجيب العلوي» في اثناء حرب 1973. اراد ان يقول ان مثل هذا الجيب كان دائما خيارا لدى الاسد الاب ويشكّل الآن خيارا اخيرا لدى الاسد الابن.

ما قد يكون مخيفا اكثر ان «الجيب العلوي»، لا يمكن ان ينشأ من دون التخلص من مدينتين كبيرتين هما حمص واللاذقية و«تطهيرهما» من السنّة. هل هذا ممكن في السنة 2012، حتى لو حصل النظام على دعم ايراني مباشر عن طريق خبراء عسكريين وعناصر من «حزب الله» تسعى الى اقامة منطقة عازلة بين شمال لبنان السنّي – المسيحي من جهة والساحل السوري من جهة اخرى؟
 

السابق
شربل: القوى الامنية تعالج قطع الطرق في بيروت وطريق المطار آمنة
التالي
شبكة دعارة بطائرات بين بيروت ودبي!