جنبلاط: بديل ميقاتي.. ميقاتي

لطالما كان وليد جنبلاط ضد «نظرية الفراغ». الدفع باتجاه «تفجير» حكومة نجيب ميقاتي من الداخل لم يخطر على بال حامل «بيضة القبان»، من لحظة اتخاذه القرار بالسير في مشروع اخراج سعد الحريري من السرايا. لم يفعلها يوم قدّر لحكومة ابن طرابلس مواجهة البركان السوري، ولن يفعلها بعد اغتيال صديقه اللواء وسام الحسن. «بيك المختارة» اليوم غير «زعيم الثورة» عام 2005…

للعديد من الاسباب ذهب فريق المعارضة بعيدا في «وَهم» اعادة جنبلاط الى الحاضنة الآذارية. استبشر حلفاء، مع «وقف التنفيذ»، خيرا حين أطلّ رئيس «جبهة النضال الوطني» برأسه، بعد ساعات من اغتيال اللواء وسام الحسن، ليتّهم الرئيس بشار الاسد والنظام السوري صراحة بالجريمة. وسام الحسن بالميزان الأمني يساوي رفيق الحريري بالميزان السياسي، فماذا ينتظر وليد جنبلاط ليقلب الطاولة فوق رؤوس «محتلّي» السرايا؟
سؤال لا يفصله الآذاريون عن واقع يدركونه جيدا، لكنهم يجدون صعوبة كبيرة في تقبّله. فالفوارق كبيرة، برأيهم، بين «ثورة 14 آذار» واليوم. ميشال عون في المقلب الاخر تماما، البطريرك بشارة الراعي وليس البطريرك نصرالله صفير يجلس على كرسيّ بكركي، ووليد جنبلاط متمسّك بالخيار الوسطي، ليس حبا بالحكومة وبـ«حزب الله»، بل بسبب «المسدس الذي لا يزال مصوّبا الى رأسه»…

اسقط مريدو جنبلاط من اعتباراتهم ربط الزعيم الدرزي اتهامه للسوري بالجريمة، بثابتتين اساسيتين: تحييد «حزب الله» تماما عن «مشهد الأشرفية» الدموي، والإصرار على الردّ على الاغتيال «بالسياسة وليس بالشغب». في ذلك، كان جنبلاط يؤكد مسبقا اصراره على «حماية» الحكومة من أي اتهامات «سياسية» قد تطال ميقاتي، كمسؤولية معنوية، أو «حزب الله»، من خلال اعلان رفضه «اتهام أحد في الداخل».
«الميل» الجنبلاطي لإبعاد كأس المغامرة غير المحسوبة النتائج، بالاستغناء عن خدمات حكومة ميقاتي في هذه اللحظة الحرجة، تماهى كليا مع مواقف رئيسيّ الجمهورية و«حزب الله». صحيح أن ميشال سليمان، كما ميقاتي، تبنّى نظرية الاتهام غير المباشر لسوريا بالجريمة، من خلال التركيز على الرابط القائم بين اكتشاف مخطط ميشال سماحة «الفتنوي» واغتيال الحسن، الا أن الطرفين لاقيا الضاحية عند تقاطع عدم الرضوخ بسهولة لضغط الشارع، وبالتالي رفض مبادلة «رأس الحسن» بـ«رأس ميقاتي».

من هنا تماما تُفهم «التوليفة» التي خرجت بها الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء قبل «اعتكاف» رئيس الحكومة. اجراءات وزارية تمتصّ نقمة الشارع، وتوافق في السرايا على رفض قطع انفاس الحكومة، بما أن البديل قد يكون «المجهول».
تحدث ميشال سليمان عن اجراء مشاورات مع اعضاء طاولة الحوار بشأن مصير الحكومة، في مسعى لكسب مزيد من الوقت لتقطيع مرحلة التشييع… وبعدها لكل حادث حديث. حكومة حيادية، او حكومة وحدة وطنية او «ميقاتي اولا»… كلها سيناريوهات واردة، خصوصا بعد محاولات اقتحام السرايا بالقوة التي تملّص منها قادة 14 آذار متأخرين. لكن من المؤكد ان احدا من اعضاء الحكومة لم يضع يده بعد على الزناد لاطلاق رصاصة «الرحمة» على الحكومة المتشظية، وأولهم وليد جنبلاط.

لكن، في الوقت عينه، تحمل المختارة رؤية وسطية قد ترضي الطرفين وقوامها، «اذا كانت هناك اي امكانية عملية لقيام حكومة وحدة وطنية او حكومة شراكة، فإن جنبلاط لن يتردّد في المساهمة بتسهيل ولادتها». وهذا يعني حتما أن لا حكومة جديدة من دون توافق «الديوك» والأفضلية لميقاتي رئيسا للحكومة.
ضمن هذا المنطق ينبذ وليد جنبلاط «مشهد الفوضى» امام السرايا. لا حلّ بالقوة. وكما رفض الزعيم الدرزي سابقا اقتحام السرايا الحكومية يوم كان الرئيس فؤاد السنيورة محاصرا داخلها عام 2006، رافعا شعار «الردّ بالسياسة وليس بالعنف»، يلتزم جنبلاط اليوم، وفق أوساطه، أي منطق يكفل سحب التوتر من الشارع، متبنيا بالكامل تصريحات الحريري والسنيورة والجميل وجعجع التي دعت الى الانسحاب من الشارع.

ومن المؤكد، أن الزعيم الدرزي لم يكن يحتاج الى رؤية السفراء «يحجّون» للقاء ميقاتي، معلنين أاولوية الحاجة الى «الاستقرار والحكمة ووحدة اللبنانيين»، لكي يتيّقن بأنه لا يزال يجاري «الرياح الدولية» المتوجّسة من مرحلة الـ «ما بعد».
ولذلك، بالرغم من خطورة الضربة الأمنية الأقسى بعد اغتيال الرئيس الحريري، لا يزال جنبلاط يقف في مكانه: ضرورة الحفاظ على «الستاتيكو» القائم بانتظار سقوط بشار الاسد «الحتميّ». بعدها تصبح متاحة مفاوضة الطرف الذي يمسك بـ«رقبة» الحكومة والبلد لإعادة التوازن الى اللعبة السياسية.

ومن الشارع وصولا الى السرايا يرتسم المسار الجنبلاطي المعاند للتغيير «بالقوة». تشارك منظمة الشباب في «الحزب التقدمي الاشتراكي» في الاعتصام امام ضريح الرئيس الحريري، وفي بيان لها تنفي بأن تكون شاركت في المسيرات نحو السرايا التي طالبت باستقالة الحكومة «لأن ذلك سيدخل البلاد في المجهول ولأن الحكومة لا تزال ضرورة في الوقت الراهن».
ويشارك وفد رسمي من «الحزب الاشتراكي» ودروز اقليم الخروب فقط، في تشييع اللواء الحسن ومرافقه، من دون أن يشاركوا في حمل يافطات «ارحل ارحل يا نجيب» او «دمّ وسام برقبته (لافتة مرفقة بصورة السيّد حسن نصرالله حملت في يوم التشييع). وفي مشهد لافت يحضر رئيسا الجمهورية والحكومة ومعظم قيادات 14 آذار مراسم وداع الشهيد، الا وليد جنبلاط. في وقت يرى فيه حلفاء «البيك»، كما خصومه، ان المحاذير الأمنية في هذه اللحظة لم تكن اقل من تلك التي سادت بعيد اغتيال الرئيس الحريري. بالتأكيد لم يكن جنبلاط يرغب بسماع الرئيس فؤاد السنيورة يصرخ على منبر التشييع «اخرج يا نجيب ميقاتي»، محمّلا إياه «مسؤولية» اغتيال الحسن في حال بقائه في السرايا.

هذا في «رسائل» الشارع. اما في الثوابت السياسية، فلا يبدو اأن جنبلاط سيغيّر رأيه بالحكومة حتى لو عاين عن قرب «الشلال» السنّي الذي تدفق الى ساحة الشهداء تشييعا، وأيضا رفضا لبقاء ميقاتي رئيسا للحكومة وصولا الى حدّ محاولة اقتحام السرايا. وفي الخلفية ادراك الزعيم الدرزي لصعوية التوصّل الى سيناريو موحّد حول حكومة جديدة يريدها «تيار المستقبل» حيادية رئيسا وأعضاء. ومن سمع غازي العريضي، في مجلس الوزراء، أمس الأول، اعتقد أن من يتحدث هو منسق «قوى 8 آذار»
في كواليس الآذاريين، ثمة من كان يهمس بأن جنبلاط قد يغيّر رأيه حين يواكب، من قصره في المختارة، «نهاية» يوم التشييع في وسط بيروت والمناطق. العكس صحيح والدليل أن الوزير وائل أبو فاعور عندما التقى ليل امس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بدا متمسكا بالحكومة أكثر من «حزب الله»!  

السابق
أكبر الآبار بالعالم بـ3500 درجة!
التالي
اللواء الشهيد وسام الحسن