إغتيال الحسن: عنوان مرحلة عصيبة

يبدو أن عملية اغتيال الشهيد وسام الحسن ستكون عنوان مرحلة عصيبة من الاغتيالات والتفجيرات، سيعيشها الوطن الصغير، وشعبه المعذب، على نحو المرحلة التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وشهدت سلسلة من عمليات العنف والتفجير أودت بحياة نخبة من قادة ثورة الأرز.
حالة الاحتقان التي يعيشها لبنان على إيقاع الثورة السورية، وأجواء التحدي السائدة بين الأفرقاء اللبنانيين المنقسمين على أنفسهم، وعلى بلدهم حول الأحداث في سوريا، والملفات الخلافية المحلية الأخرى، بدأت تأخذ طريقها إلى مواجهات انتحارية للطرفين في الشارع، لأن الرابح في هذه المواجهات، سيكون خاسراً الوطن وأهله وصيغته، ولا يبقى له غير الدمار والخراب، وذكرى الشهداء والضحايا، على نحو ما يجري حالياً في سوريا، وعلى غرار ما حصل سابقاً في المواجهات والحروب العبثية التي دفع لبنان، الوطن والدولة والشعب، أثمانها الغالية حتى اليوم.
جريمة اغتيال شهيد الأمن ليست حادثة منفصلة عن السياق الحالي للوضع المضطرب في البلد، والمرشح أن يزداد اضطراباً وإرباكاً في الأسابيع المقبلة، إذا لم يُحكّم القادة السياسيون لغة العقل، وتقديم مصلحة البلاد والعباد، على حساباتهم الشخصية والفئوية، وتطلعوا للعمل معاً من أجل إنقاذ الوطن من اختبار شيطاني وجهنمي جديد، يقضي على البقية الباقية من آمال الشباب والأجيال الصاعدة وإيمانهم بـ «الوطن النهائي لجميع أبنائه»!

جريمة اغتيال شهيد الحقد والكراهية العمياء، هي من الحرفية والدهاء تخطيطاً وتنفيذاً وتفجيراً، ما يتجاوز إمكانيات أفراد جمعت بينهم ظلامية فكرية، أو ثأر عابر. وبالتالي فإن وراء هذه العملية الغادرة جهات وأطراف تمتهن حرفة القتل والتفجير، وتعرف جيداً كيف تصطاد ضحاياها، مهما بلغت احتياطاتهم الشخصية والأمنية، ومهما كانت الخسائر والأضرار التي سيحصدها التفجير الآثم بشراً وحجراً، كما شاهد العالم اجمع ما أحدث انفجار الأشرفية من خراب في المنازل والمباني، ومن إصابات في صفوف المدنيين الأبرياء الذين سقطوا بين قتلى وجرحى.
من المبكر توجيه الاتهامات لمن يقف وراء هذا التفجير الذي استهدف الدولة، بهيبتها وسلطتها وأمنها، عبر استهداف الرمز الأمني البارز فيها، ولكن تسلسل الأحداث، والربط المنطقي بين خلفياتها وتطوراتها الميدانية على الأرض، يلقي ظلالاً كثيفة على الأطراف المعنية بقضية متفجرات ميشال سماحة، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
الرئيس ميشال سليمان طالب في كلمته المدروسة أمام نعش الشهيد الحسن ورفيقه، القضاء باستعجال إصدار القرار الظني في قضية ميشال سماحة، الأمر الذي يعتبره المراقبون بمثابة إشارة غير مباشرة، ولكنها بليغة، للربط بين الجريمة وملف المتفجرات.
الرئيس نجيب ميقاتي لم يتأخر، في كلمته في القصر الجمهوري بعدما أبلغ رئيس الجمهورية نيته الاستقالة، من الإعراب عن اعتقاده بوجود رابط بين اغتيال شهيد المؤامرات الأمنية، وقضية كشف متفجرات ميشال سماحة.
والحملة الحاقدة التي تعرّض لها شهيد الواجب والسيادة من الأبواق المؤيدة للنظام السوري، والمتعاطفة مع ميشال سماحة وجماعته أعادت إلى الذاكرة تلك الحملة الشعواء التي تركزت على الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الأسابيع الأخيرة التي سبقت اغتياله.

وإلى أن تتمكن التحقيقات الأمنية والقضائية الناشطة في أكثر من اتجاه، من كشف خيوط هذه الجريمة السوداء، رغم كل ما يحيط بها من صعوبات وتحديات، يضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم، خوفاً مما تحمله الأيام والأسابيع المقبلة من رياح ساخنة قد تحرك نار الفتن من تحت رماد الخلافات السياسية، وتحقيق ما تبقى من المخطط الجهنمي الذي يضرب الاستقرار والأمن المهتزين أصلاً، في بلد تحاول بعض الأطراف المحلية والإقليمية ربطه بعجلة الانهيارات المتسارعة في المنطقة، وخاصة من خلال ما يجري حالياً في سوريا من مجازر ومعارك ودمار.
المستهدف في انفجار الأشرفية ليس وسام الحسن وحده، بل الدولة بمؤسساتها وسلطاتها، وبدورها، بل وبوجودها من الأساس. وإذا لم يهبّ اللبنانيون للدفاع عمّا تبقى من الدولة ورموزها، فعلى البلد السلام، على الأقل لعقود جديدة من الزمن.
ولكن، لا بدّ من التأكيد بأن الدفاع عن الدولة لا يكون بمهاجمة السراي الحكومي، أو أية مؤسسة رسمية أخرى، ولا بقطع الطرقات وإشعال الاطارات، ولا حتى بالتعرض للعابرين والمتنقلين بين بيروت والمناطق الأخرى.
الدفاع عن الدولة يتطلب خطة سياسية حاسمة وواضحة، تنتهج المقاومة المدنية والأساليب الديمقراطية والحضارية سبيلاً للتغيير، سواء عبر الإضراب السلمي المفتوح، أو من خلال صندوقة الاقتراع، أما ما عدا ذلك من أساليب العنف والغوغاء فيصب في خانة المخططين لتفجير الفتن وإعادة مسلسل الاغتيالات، وقد تكون جريمة اللواء وسام الحسن الحلقة الأولى في الجولة الجديدة!.
  

السابق
بري مع حكومة وحدة وطنية
التالي
الإحتلال يُنجز تركيب بوابة حديدية قبالة الوزاني