وكانت ثالثة الأثافي!


صحف اليوم تحمل أخبار الانفجار في الأشرفية والتعليقات، وتحمل أيضاً بعض التفاصيل عن الأحداث في سورية ومهمة الأخضر الإبراهيمي، إضافة إلى آراء جهابذة السياسة في لبنان، ولكن ما أحبّ اليوم أن أتوقّف عنده، يقع في ثلاثة أحداث هي كما يلي :
أوّلها رسالة الرئيس المصري الإخواني إلى رئيس دولة «إسرائيل» مغتصبة الأرض في فلسطين المحتلة. «مؤسّسة الأهرام» في مصر راسخة كما إهرامات مصر، وهذه الصحيفة حين تقول كلمتها، وتنشر الرسالة التي تتناول رئيس بلادها، لا يمكن أن نعتبرها مفبرِكةً ومخترعةً ومزوّرة. ولكن يبدو أن الرئيس الإخواني يتعلّم بسرعة، وبات يعرف أن يترك للأخبار المتناقضة أن تنتشر حتى يضيع المواطن فلا يعود يعرف أين الخطأ من الصواب، وأين الحق من الباطل فيسأم، وبعد أيام عديدة، ينسى المسألة تحت ضغط الأحداث المتسارعة، وتحت انشغاله في احتياجات عيشه اليومية.
لم يقل أحد أن الصور مفبركة ولعبت بها مفاتيح «فوتوشوب» على الكومبيوتر. ولم يقل أحد الرسميين أن الرسالة غير صحيحة، بل قالوا أنّ «الإتيكيت» الدبلوماسي والعرف الدبلوماسي هو ما يملي كتاب الاعتماد الذي يحمله السفير. لكن أحداً لم يقل صراحة أن ذلك الكلام الأخويّ الودود لم يكن في الرسالة. الرأي العام المصري والعربي سوف يفقد القدرة على إبداء الرأي واتخاذ موقف صامد لأنّ الغاية هي أن يفقد بوصلة الموقف الوطني .
الثانية هي تصريح أمين عام الأمم المتحدة، القدّيس بان كي مون حين ينظر بعين واحدة إلى الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، فلا يرى ولا يسمع ولا يقرأ شيئاً عن انتهاكات «إسرائيل» للأجواء اللبنانية في كل يوم، ولا إلى الانتهاكات للحدود البحرية أو البرية، على الرغم من وجود مراقبي «اليونيفل» من قبل المنظمة التي يرأسها، لكنه يرى طائرة «أيوب» مشكّلةً خرقاً للقرار 1701، وهو الأمر الذي يستفز «إسرائيل» ويمكن أن يجرّ إلى حروب وفوضى.
أليس هذا هو كلام الأشاوس في لبنان الذين حرّضوا المجتمع الدولي ودولة «إسرائيل» ضدّ بلدهم منذ اليوم الأوّل، معتبرين أنّ «أيّوب» شكلت استفزازاً لـ«إسرائيل» الوديعة المسالمة، وتجاوزاً للقرار الدولي سيء السمعة، وبالتالي كانت أصوات الأشاوس تحريضاً مكشوف العورة ضدّ بلدهم، ولا يمكن اعتباره تحريضاً ضدّ شخص أو حزب أو جماعة. مبروك، وألف إحّم، أحّم، إحّم للأشاوس في لبنان .
أما ثالثة الأثافي، فكانت تصريحات الخارجية الفرنسية عن أن فرنسا تتمسك بحرّية الرأي وحرّية الإعلام وتحترم الحرّيات، في سياق ردّها على موقف تونسيّ معلن .
إذا قلنا لأشاوس لبنان إحّم ثلاث مرّات، فكم مرّة يجب أن نقولها لخارجية فرنسا، وهي تتحدث عن تمسكها بحرّية الرأي والإعلام، ولم تمض أيام خمسة بعد على وقف بثّ الفضائيات الإيرانية على القمر «هوت بيرد» الأوروبي، وكان ذلك بتحريض أساسيّ من فرنسا بالذات، التي يقال أنّها بلد الحرّيات، ولكن يبدو أنّ الحرّية عندهم ليست كالحرّية عندنا، فهي هناك على مراتب ودرجات وأقسام وأجزاء، وكلّ جزء يستخدم حيث يخدم الغاية الأساس، فهل لا يزال من الصعب أن نعرف تلك الغاية؟ من الأكيد أنّ فرنسا نسيت ـ أو تناست، شعارات الثورة الفرنسية التي علّمت الشعوب كيف يكون التمسك بالحرّية، حرّية الرأي والكلمة والمعتقد. قبل فضائيات إيران، تمّ وقف بثّ قناة لبنانية هي «المنار»، وطبعاً كان هنا في لبنان من شمت و«ضحك في عبّه» ـ كما يقول المثل، وفرنسا تتمسك بالحرّية .
حين تقع جريمة ما، يكون سؤال المحقق الأوّل: لماذا؟ من المستفيد؟
فهل لا يزال لدينا من يطرح على نفسه هذا التساؤل قبل أن يتّخذ موقفاً، وقبل أن يدلي برأي؟ وهل لا يزال لدينا من يؤمن حقّاً بالحكمة التي تقول: اعرفوا الحقّ والحقّ يحرّركم؟ !

السابق
أميركا تدعم هدنة الابراهيمي في عيد الأضحى بسوريا
التالي
تشييع اللواء الحسن غدا في بيروت بجانب ضريح الشهيد رفيق الحريري