الإبراهيمي يلبنن الحلّ في سوريا

"لبننة" الحل في سوريا، على اعتبار أنّ سوريا قد "تلبننت" بعد 19 شهراً على الثورة، ناشطة جداً. دخول الاخضر الإبراهيمي مندوباً أممياً على خط الحل، رفع من منسوب "اللبننة". أيادي الابراهيمي على اتفاق الطائف "خضراء". لكن قبل أن يتوصّل إلى حل، وتتوحّد كلمة الدول العربية المعنية والدولية خصوصاً فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وتفرض نفسها على كل الميليشيات الحزبية وغيرها، كان اللبنانيون يطلقون عليه لقب "الأصفر" الإبراهيمي، لأنّه كلما تقدم خطوة واتخذ موقفاً، كانت "دوائر النار تحاصر بيروت"، أو تتحوّل ليلة 14 تموز إلى "ليلة الراجمات"، وصولاً إلى "آب الأسود" لكثرة ما سقط من الضحايا في تبادل أعمى للقصف والتدمير.
عملياً لم تكن كل تلك المعارك عبثية. أشدّها كانت رسائل من دمشق للإبراهيمي وللبنانيين بأنّ الحل يكون على قياس النظام الأسدي أو لا يبقى لبنان. أكبر دليل على ذلك أنّ أقسى المعارك كانت بعد التقرير الذي رفعه الإبراهيمي واتهم فيه دمشق بتحمّل الجزء الأكبر من مسؤولية وصول اللجنة الثلاثية إلى الطريق المسدود. المعارك الأخرى كانت تهدف إلى إلحاق التعب بالشعب اللبناني حتى يصبح مطلبه الأول والأخير الحل، وإضعاف الأفرقاء حتى تتساوى مطالبهم بالإسراع في الحل لأنّه ليس أفضل من التعب طريقاً للتسليم بالشروط التي كان قد رفضها في السابق. وأخيراً وهو مهم جداً، أنّ كل طرف من الأطراف الداخلية والخارجية كان يريد الحصول على تقدّم ميداني يستطيع تثبيت موقعه القوي على طاولة المفاوضات. هكذا يحدث في سوريا، حتى يتوصّل الأخضر الإبراهيمي إلى صيغة حل بعد توافق القوى العربية والدولية المعنية، فإنّ التصعيد سيستمر.
مجزرة معرّة النعمان وكسر رقم المائتي قتيل في اليوم الواحد. جزء من الحرب الدائرة على ضفاف الثورة في سوريا. الأسد يعرف جيداً أنّ لا مكان له سواء كان الحل "يمنياً" على قياس سوريا، أو في مؤتمر "طائف" يتناسب مع حجم الحالة السورية المعقّدة، أكثر بكثير من لبنان، لأنّ سوريا مركز قطع ووصل للصراعات والحلول على الصعيدين الجغرافي والتاريخي. الأسد ليس قائد ميليشيا فقط حتى يمكن الحل معه كما حصل في لبنان. الأسد قائد لنظام جعل منه مع والده آلة قتل وقمع بلا حدود. أن يسقط الأسد وتبقى الدولة في سوريا مهم جداً. مجرّد سقوطه، ينتج تغييراً لطبيعة الدولة. القصف ببراميل المتفجرات زنة طن والقنابل العنقودية ناتج عن رفض للآخر أي للشعب وليس فقط لتثبيت مواقعه على الأرض ولتأكيد حضوره القوي في أي مفاوضات قادمة. قصف معرّة النعمان جزء من الحرب على طرق الإمداد، مَن يسيطر عليها خصوصاً الممتدة من دمشق وصولاً إلى حلب مروراً بحمص والملتفة حول حماة، والعابرة لنقطة التواصل في معرّة النعمان القرية الشهيدة، يخنق الطرف الآخر. لكن لا يمكن القبول بهذه الصورة لتبرير هذا القصف غير المسبوق. لا يمكن إدانة إسرائيل لأنّها قصفت اللبنانيين وخصوصاً الجنوبيين بالقنابل العنقودية وتبرير قصف الأسد لشعبه بالقنابل نفسها. المساواة في الجريمة تعني المساواة في الإدانة والعقاب. لا فرق بين جرائم الأسد والإسرائيليين.
الانقسامات في المعارضة المدنية والمسلحة السورية، سهّلت كثيراً انكفاء أصدقاء سوريا عرباً وغربيين عن تقديم الدعم، ما لم تولد صيغة تجمع قوى المعارضة المسلحة والمدنية تحت أي بند وأي صيغة من الصيغ تسمح للأسد الاستمرار في القتل وللروسي في مدّ النظام الأسدي بكل أسباب ووسائل الصمود تحت بند الانتصار بالأسد بداية الانتصار في فرض صياغة تعدّدية النظام الدولي الجديد، وللإيرانيين في "الجهاد" للانتصار في الحرب الكبرى ضدّ "قوى الاستكبار" على حساب الشعب السوري المظلوم.
لا شك أنّ الصيغة الجديدة التي بدأت فرنسا والعرب وحتى واشنطن تمريرها إلى المعارضة السورية المدنية والمسلحة أنّه "لا مال ولا تسهيلات ولا سلاح إذا لم تتّحد. وتستحق الشرعية المطلوبة منها، هي بداية لمسار طال انتظاره. من الضروري أن تنجح هذه المحاولة سواء كان الأمر استعداداً لاستحقاق الحل السياسي أو لمواجهة تصعيد عسكري تفرض نتائجه معادلاتها ميدانياً.
النظام الأسدي بقيادة الأسد الأب لم يقبل أن تصمت الراجمات وأن يتوقف تقاتل الاخوة في لبنان، حتى ضَمِنَ من الاخضر الابراهيمي ومن يدعمه من دول عربية وغربية "بأنّ الوجود السوري في لبنان يناقش مع حكومة الوفاق التي ستتشكل بعد اتفاق الطائف وليس قبله". اليوم يصرّ الأسد الابن على الحل به أو لا يبقى أحد في سوريا ولبنان، الدليل اغتيال العميد الشهيد وسام الحسن والأخضر الإبراهيمي خارج من اللقاء مع الأسد، يؤكد هذا المسار الطويل للنظام الأسدي.
الرسائل الدامية تصل بسرعة، ويبدو أنها لن تتوقف في المستقبل المنظور.

السابق
فنيش: اتهام حزب الله باغتيال اللواء الحسن كلام انفعالي
التالي
أميركا تدعم هدنة الابراهيمي في عيد الأضحى بسوريا