لا مفاجآت في لبنان، الا في كون المسار الانحداري بلا حدود، من حيث توحي المواعظ ان له حدودا والتوقف عندها ممكن. فالبلد مشلول من دون الحاجة الى سلسلة اضرابات عامة وتظاهرات. ومشغول بالاندفاع في استيراد الاخطار بدل دفعها عنه بما يتجاوز النأي بالنفس الى تحصين النفس، من دون الحاجة الى اي جهد يبذله الذين يريدون تصدير المخاطر اليه. ومكشوف بأكثر مما تؤكده الوقائع اليومية وتفعله السجالات والصراعات التي ترفع الغطاء عما نتوهم انه مستور وتسلط الاضواء على ما نتصور ان انكشافه ليس كاملاً.
ذلك ان ما كشفته سلسلة الرتب والرواتب هو ثلاث صور، بصرف النظر عن الفارق بين الانصاف الضروري للمعلمين وبين التمويل المضر لادارة مهترئة وفاسدة قبل اصلاحها. لا بل حتى لو كانت الموارد وافرة ولم تكن الخزينة فارغة وارقام الدين العام فلكية.
الصورة الأولى هي سياسة الارتجال في مجلس الوزراء، حيث القرار اولاً تحت الضغط، ثم التفكير فيه ثانياً وتحت الضغط ايضاً. فما بعد التسويف جاءت المماطلة. وما كان المفترض ان يدركه ويستدركه مجلس الوزراء عند اتخاذ القرار فرض نفسه عند التطبيق، بحيث تعالت اصوات التحذير من هز النقد الوطني ومما سماه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رمي كرة النار على الاقتصاد.
والصورة الثانية هي الجمع بين الضعف والقوة في قطاع واحد: ضعف الاقتصاد الراكد والعاجز عن حمل سياسة الحكومة ودفع ثمنها. وقوة الهيئات الاقتصادية في موقع التأثير على السلطة.
والصورة الثالثة هي اللقاء بين القدرة والعجز: قدرة هيئة التنسيق النقابية على الامساك باللعبة واظهار وحدة الصف والهدف بين المعلمين وموظفي القطاع العام وشمول الاضراب المدارس الرسمية والخاصة ودوائر الدولة. وعجز التركيبة السياسية عن تلطيف الانقسام الحاد والتوقف عن الشحن الطائفي والمذهبي وصولا الى حافة الفتنة.
ومسلسل الانكشاف طويل. فما كشفته طائرة ايوب بالسجال الذي يدور حولها هو الواقع اللبناني والنفوذ الخارجي فيه بأكثر مما كشفته من مواقع في اسرائيل. وهو ان اظهار القدرات العسكرية المتنامية لايران له الاولوية على هواجس اللبنانيين والحوار حول الاستراتيجية الدفاعية. وما كشفته المطالبة المتأخرة بخطة امنية في البقاع بعدما تجاوز الفلتان كل الحدود هو ان النافذين فعلوا ما يريدون من مخالفات وتركوا للجيش تنظيف ما تركوه وراءهم.
