بعد الانتخابات حظر طيران !

ينتظر السوريون واللبنانيون وغيرهم انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية بفارغ صبر. والسبب اقتناعهم بأنها هي التي تمنع الرئيس باراك اوباما المرشح فيها من اتخاذ قرارات حاسمة تعكس موقفه السلبي من نظام بشار الاسد، واقتناعهم ايضاً بأن الرابح فيها لن يغيّر الموقف الرسمي لبلاده من الذي يجري في سوريا سواء كان اوباما او منافسه الجمهوري ميت رومني. علماً ان الاخير في رأيهم قد يكون اكثر تشدداً مع الاسد من الاول.
طبعاً يتفهّم الاميركيون نفاد صبر هؤلاء. فنظام الاسد ضرب عرض الحائط بالمطالب الاصلاحية لغالبية شعبه واستعمل كل قوته العسكرية لقمعها. لكنه لم ينجح إلا في امور ثلاثة. الاول، تحويل الثورة السلمية ثورة عسكرية مستعدة للتعاون مع كل "الشياطين" للتخلص منه. والثاني، التسبب بقتل عشرات الألوف وبجرح عشرات الالوف وباختفاء عشرات الالوف. اما الثالث، فهو تدمير سوريا ومعها الدولة بكل مؤسساتها، إذ لم يعد يعمل منها الا التي تسيّرها عصبيات معينة وليس القوانين على تنوعها. لكنهم (اي الاميركيين) يعتقدون ان انتظار السوريين واللبنانيين وغيرهم المذكور اعلاه عاطفي ولا يمت الى الواقعية بصلة، رغم ان المعلومات المتوافرة للجميع تشير الى اسباب لإحجام اميركا عن "الحسم" في الموضوع السوري لا علاقة لها بالانتخابات الرئاسية. وقد يكون في مقدمها "الفيتو" الروسي والصيني الذي عطّل اجماعاً دولياً على التحرّك نصرة لشعب سوريا وإن بالوسائل العسكرية. وقد يكون منها رفض الادارة الاميركية استعمال القوة العسكرية آحادياً. وهو يبقى آحادياً وإن شارك فيه حلف شمال الاطلسي، لأن الشعب الاميركي يرفض تورطاً عسكرياً مباشراً بعد "تورطه" في افغانستان ثم العراق، كان اولهما وحده مبرراً، تسببا بالكثير من الخسائر البشرية والمادية.
هل يعني ذلك ان اميركا بعد الانتخابات لن تقوم بأي عمل يتعلّق بما يجري في سوريا؟
كلا، يجيب متابعون اميركيون من واشنطن لسوريا والمنطقة ولسياسة بلادهم حيالهما. إذ ستمارس اميركا، وبغض النظر عن الذي سيصبح رئيساً لها بعد نحو ثلاثة اسابيع، ضغوطاً كبيرة حيث يجب من اجل فرض منطقة حظر طيران في سوريا، ومن اجل "اطلاق" قوات النخبة التي يقدّر عدد افرادها بنحو عشرين ألف، كلهم منشقون عن الجيش السوري ويتلقون منذ انشقاقهم تدريبات جدية في معسكرات اقيمت في مناطق تركية قريبة من الحدود السورية. ويعني "اطلاقهم" ارسالهم لمؤازرة الثوار السوريين الذين يكاد القمع الاسدي و"التقتير" الغربي بالسلاح ينهكانهم، او بالاحرى لمؤازرتهم وتنظيمهم. ونجاحهم في ذلك يفتح الباب واسعاً امام مساعدات أكثر جدية اميركية وأوروبية وعربية. لكن المتابعين الاميركيين انفسهم يقولون ان لدى الاميركيين في مقابل الضغط المشار اليه اعلاه الذي يمكن ان يمارسوه على رئيسهم الجديد، رفضاً تاماً لإرسال قوات عسكرية الى سوريا. ويقولون ايضاً ان بلادهم ستستمر، وبعد انشاء منطقة حظر الطيران، في تدريب المنشقين عن جيش الاسد. كما ستتابع الضغط لإقناع مكونات الشعب السوري بحل يؤمّن حقوقها كلها، ويسمح بقيام دولة حقيقية لا يتسلّط فيها احد على احد، ولا يُسمَح فيها لفرد أو لحزب أو لمجموعة أو لعصبية بالتسلط على البلاد والعباد. إلا ان نجاح ذلك، في رأيهما يرتبط وفي صورة اساسية بالطائفة العلوية التي صارت السند الشعبي شبه الوحيد للنظام ورأسه. فاذا تحركت ضد الاسد ونجحت في اقصائه تضمن لنفسها موقعاً مهماً في دولة ما بعد سقوطه ونظامه. والولايات المتحدة، التي تتفهّم خوفها ودوافع وقوفها مع الاسد رغم معرفتها بـ"مآثره" الدموية، تبدو على استعداد لحمايتها ولإزالة مخاوفها بالتعاون مع سائر مكونات الشعب السوري إذا وقفت جدياً في وجه الاسد.
هل سيوقف الضغط المفترض ان تمارسه اميركا بعد الانتخابات الرئاسية والاجراءات التي ستترجمه انهار الدماء في سوريا؟
كلا، يجيب المتابعون الاميركيون انفسهم. فالمستقبل القريب فيها سيبقى دامياً. وربما يتوقف القرار النهائي لاميركا في موضوع سوريا على قرارها في موضوع ايران وملفها النووي. اي كم من الوقت تريد اميركا ان تعطي لايران كي تنهي مشروعها النووي؟ (الإنهاء وليس الإنجاز) والجواب عن هذا السؤال ليس سهلاً. لكن المعلومات المتوافرة عند هؤلاء تشير الى ان الوقت ينتهي الربيع المقبل او الصيف المقبل. وهو وقت معقول لأن اميركا وحلفاءها سيحتاجون اليه ايضاً لتنفيذ خطواتهم السورية المفصّلة أعلاه. 
 

السابق
14 آذار تقوّل الجيش ما لم يقله
التالي
قصّة حذاء